العملياتية opérationnalisation
تمهيد
بمجرد طرح سؤال البحث ، كمرحلة أولى من تحديد المشكلة ، يبقى الانتقال إلى عملياتية هذه المشكلة للانتهاء من المرحلة الأولى من البحث. يتعلق الأمر هنا بالتعود على مختلف العمليات التي يجب القيام بها حتى يصبح سؤال البحث عبارة عن ظاهرة يمكن ملاحظتها في الواقع. ثم، انطلاقا من الفرضية أو الهدف، نستخرج المفاهيم التي لا بد علينا من تحليلها بغية منحها طابعها الملموس.يعتبر هذا التحليل المفهومي مرحلة مهمة في تحديد مشكلة البحث. بعد الانتهاء من تعريف مصطلحات البحث لا بد من مراقبة صحة العمليات السابقة. في الأخير، لا بد أن يتم أي بحث في إطار مرجعي يتضمن عناصر ينبغي أخذها بعين الاعتبار أثناء تخطيطه.
إن سيرورة العملياتية تسمح بالانتقال من سؤال البحث المتميز أكثر بالعمومية والتجريد إلى السلوكات في حد ذاتها والتي نسعى إلى ملاحظتها في الواقع.هكذا ننتقل من الجانب المجرد إلى الجانب الملموس للبحث. إذا كانت نقطة الانطلاق عبارة عن سؤال فإن العملياتية تقود الى تحديد عناصر من الواقع للإجابة عنه. بعبارة أخرى، كلما تقدمنا في المجال العملي لسؤال البحث، كلما اتخذت المفردات التي استعنا بها الصفة الملموسة والدقيقة، وكلما اقتربت أكثر من الواقع الذي نريد أخذ معلومات عنه.
الفرضية
تتضمن الفرضية أول عملية لإضفاء طابع ملموس على سؤال البحث، وتكون الإجابة عنه عادة في شكل فرضية. غير أنه وفي حالة ما إذا لم نستطع التنبؤ، فعندئذ ستعوض الفرضية بهدف البحث، إن الحدود الموجودة في العرض المختصر سواء كانت في إطار فرضية أو هدف البحث، لا بد أن تمتلك بعض الخصائص لتضمن صفتها العلمية. من جهة أخرى فإن الفرضية، نظرا إلى دورها الجوهري في العلم ، قد تأخذ أشكالا مختلفة.
خصائصها
الفرضية هي إجابة مقترحة لسؤال البحث. كما يمكن تعريفها حسب الخصائص الثلاث التالية: التصريح، التنبؤ ووسيلة للتحقق الأمبيريقي.
التصريح
الفرضية هي عبارة عن تصريح، يوضح في جملة أو أكثر، علاقة قائمة بين حدين أو أكثر. مثلا الفرضية : " مستهلكي تذاكر اليانصيب في منطقة مونتريال هم في غالبيتهم من أسر ذات مدخول سنوي يعادل 30 000 ألف دولار أو أكثر " تقيم الفرضية علاقة بين الحدود الآتية : المستهلكين، تذاكر اليانصيب، مداخيل مرتفعة، ومنطقة مونتريال.
التنبؤ
الفرضية هي أيضا، عبارة عن تنبؤ لما سنستكشفه في الواقع، إذا رجعنا إلى المثال السابق، نتوقع أننا سنجد عددا أكبر من المشتركين لتذاكر اليانصيب هم من بين الذين لهم دخلا مرتفعا، مقارنة بمن هم من فئات الدخل الأخرى. الفرضية هي إذن، جواب مفترض ومعقول للسؤال الذي نطرحه، وهو: " من هم مستهلكو تذاكر اليانصيب"؟
وسيلة للتحقق
الفرضية هي أيضا وسيلة للتحقق الأمبيريقي. إن التحقق الأمبيريقي هو عملية يتم من خلالها معرفة مدى مطابقة التوقعات أو الافتراضات للواقع، أي الظواهر. إن التحقق الميداني ، باعتباره واحدا من اهتمامات البحث العلمي، يتضمن إذن ملاحظة الواقع، والفرضية توجه هذه الملاحظة , إن الفرضية التي تجزم أن شراء تذاكر اليانصيب يزداد أكثر في البيوت ذات الدخل المرتفع تبين العلاقة بين استهلاك تذاكر اليانصيب والدخل؛ستتبين إذن صحة هذه العلاقة من خلال ملاحظتنا لها في الواقع.
باختصار، الفرضية هي أساسا: عبارة عن تصريح يتنبأ بوجود علاقة بين حدين أو أكثر، من عناصر الواقع. يجب التحقق من الفرضية في الواقع، وبهذا المعنى، فهي تمثل ركيزة الطريقة العلمية، إن ما يميز بين الفرضية والجملة المبتذلة وهذا ما يمثل طبيعتها نوعا ما، هو العلاقة المنتظرة بين الحدود النفسية لدى (مغنو الروك) ونوعية موسيقاهم دون أن نتنبأ بالعلاقة بين هذه الأحوال النفسية والموسيقى، فهذه لا يمكن أن نكون فرضية. كما لا يعني هذا أن البحث في هذا الموضوع من قبيل المستحيلات، لكن لا بد علينا أن نفترض علاقة بين الحدود.
هدف البحث
يمكن لهذه العملية أن تختلف جزئيا من سابقاتها في حالة البحث الكيفي، ذلك بسبب أن البحث الكيفي عادة ما يحمل خاصية الريادة، أو أنه يفحص الظواهر التي يصعب قياسها . إنه لا يستطيع أن يتوقع دائما ما سيتوصل إلى اكتشافه لاحقا. حسب المؤلفين ، تنحصر العملياتية في الإحاطة بسؤال البحث فقط دون صياغة الفرضية ودون تقديم فرضيات قابلة للتعديل. إذا استعملنا المنهج التاريخي بصفة خاصة، حسب بعض المؤرخين، فإن الباحث لا يستطيع أن يضع الفرضية إلا في نهاية بحثه.
ففي بداية البحث تكون لدينا فقط فكرة موجهة خاضعة لتحولات متتالية . بالنسبة إلى هذا النوع من البحث ، أو البحوث الوصفية عامة، فإننا نقدم الإجابة عن السؤال في صيغة "هدف البحث" بدلا من تقديمه في صيغة فرضية ، لا بد أن تتحقق الحدود المستعملة في هذه الصياغة بالضبط مثل الحدود التي تتضمنها الفرضية.
حدوده
لو أخذنا فرضية أخرى مثل: " ترتفع نسبة المواليد في المناطق الريفية منها في المناطق الحضرية: إن هذا التأكد يحتوي على الخصائص الثلاث الأساسية؛ إنه تصريح يتنبأ وقابل للتحقق لو نظرنا عن قرب أكثر إلى الحدود المستعملة فسنلاحظ أنها غير مبهمة و دقيقة، لها معنى وحيادية.
حدود غير مبهمة
ينبغي أن تكون الحدود المستعملة غير مبهمة، كما ينبغ عليها أن لا تترك أي مجال للشك أثناء القيام بتأويلها. إن كلمة مواليد هي إشارة واضحة إلى الازديادات لدى مجموعة سكانية معينة. في نفس الوقت نستطيع أن نفهم بوضوح أننا نسعى إلى المقارنة بين نوعين من المناطق ( الريف الحظر). إن الوضوح في الحدود يميز كذلك الفرضية المشار إليها سابقا : مستهلكي تذاكر اليانصيب، في منطقة مونتريال هم في غالبيتهم من أسر ذات مدخول سنوي يعادل 30 000 دولار أو أكثر .نستطيع أن نفهم هنا أيضا ودون أية صعوبة الحدود الآتية: تذاكر ، اليانصيب، منطقة مونتريال والدخل.
حدود دقيقة
ينبغي أن تكون الحدود المستعملة دقيقة . في الفرضية المتعلقة بمستهلكي تذاكر اليانصيب استعملنا كلمة دخل بدلا من كلمة أخرى من أجل تجنب عدم الدقة، وحتى إذا كانت هذه الأخيرة تمثل بعض الدقة فإنها تبقى غير دقيقة طالما أن دخل الشخص ما لا يرتبط دائما بالأجر فقط.، فقد يأتي أيضا من ريوع . ومن خدمات متنوعة، أو من مصادر أخرى. إن استعمال كلمة دخل تسمح إذن بتجنب كل غموض . بالإضافة إلى ذلك، إذا استعملنا كلمة هواة تذاكر اليانصيب بدلا من المستهلكين فسيكون تحديدنا لمجتمع البحث المستهدف أقل بكثير. نفس الشيء في المثال حول نسبة المواليد، فإننا لم نستعمل مفردات "المدن والقرى" ليس لصعوبة فهمها فقط ولكن لعدم دقتها أيضا: فعلا، من يستطيع القول مثلا أين تنتهي المدينة؟ ومن أين تبدأ القرية؟ من أجل احتياجات التعداد حددت الحكومة الفيدرالية الكندية خصائص للمناطق التي سمتها "ريفية" وأخرى "حضرية" وباستعمالنا لهذه الأوصاف فإننا نشير إذن إلى شيء دقيق جدا. هكذا، باستعمالنا لحدود ليس فقط موحدة المعنى ولكنها دقيقة، تصبح التصريحات أكثر قابلية للفهم وبالتالي التحقق منها فيما بعد. إن عملية توحيد المعنى، وهذه الدقة تسهلان هكذا تعريف كل حد ضروري أثناء العمليات اللاحقة.
حدود دالة
ينبغي على الحدود المستعملة أن تكون ذات معاني. ما نعنيه من هذا هو أن حدود الفرضية تَعْلِمَنا عن بعض الوقائع و كذلك عن بعض التصور لهذا الواقع. إن تصورات الواقع تنحدر من نظريات ساهمت في توضيح الفرضية وتوجيهها. وعليه فإن الفرضية في العلم مستنبطة عادة من نظرية توفر الإطار التفسيري للظواهر التي نريد دراستها، إن الواقع المعروف يمكن كذلك أن يؤدي إلى استقراء فرضية ، فمثل هذه المعرفة تأتي من البحوث السابقة أو من الملاحظات الخاصة والمتأنية التي سلطها الباحث على الواقع. هكذا ، فإن الفرضية الخاصة بالعلاقة بين الدخل المرتفع وشراء تذاكر اليانصيب يمكن أن يستمدها الباحث من نظرية تعترف بفرص أكثر للاستهلاك لدى الأشخاص من الطبقات الميسورة، أو بالأحرى من سبر سابق ليانصيب ألكبك " بكندا" أو من ملاحظة متأنية للكلام، من نوعية اللباس وطريقتها ، من حجم المال الذي يصرف، وذلك في التقرب مثلا من أشخاص يترددون على أكشاك اليانصيب، الكيبكي ( نسبة إلى الكيبك) في حَيّيّن من المدينة . يمكن قول نفس الشيء عن فرضية تغير نسبة المواليد حسب المناطق والتي يمكن أن يستمدها الباحث أو يستنتجها من نظرية حول الأنماط المختلفة للحياة وذلك بحسب درجة تمدن إقليم معين أو من ملاحظة الواقع بالانتقال من منطقة إلى أخرى. يشير كل حد في الفرضية إذن إلى تصور ما للواقع الذي يمكننا أن نَتبيَّن مصدره.
حدود حيادية
ينبغي على الحدود المستعملة أن تبقى حيادية. نعني بذلك أن حدود الفرضية لا يمكن صياغتها في شكل تمنيات ولا في شكل أحكام شخصية حول الواقع. فالباحث أو الباحثة، كأي كائن بشري، يحمل كشخص أحكام حول الواقع، في العمل العلمي لا بد من مراقبة أحكامه حتى لا يُعقّد أو يعرقل صياغة الفرضيات وذلك بهدف تحقيق أكبر قدر من الموضوعية. هكذا، فمن غير المقبول بتاتا أبدا أن تتواجد في المثالين السابقين تعابير مثل : " من الأفضل أن تكون المداخيل العالية....." أو " من المرغوب فيه أن يكون الأشخاص من مناطق ريفية". تهدف الفرضية إلى التحقق من الظواهر، وعليه لا بد ألا تكون ملوثة بأحكام أخلاقية تسلط على الظاهرة الواقعة تحت الدراسة. لا نستطيع أن نلمح في المثالين السابقين أن شراء تذاكر اليانصيب من طرف الأشخاص الذين لهم دخلا مرتفعا هو شيء غير لائق، وبالمقابل فإننا لا نستطيع القول أيضا إنه لأمر مستحسن أن يكون للريفيين أكبر عدد من الأطفال. فكل مواطن أو مواطنة يمكن أن يكون له رأي خاص في هذا الشأن ولكن ينبغي أن يستثني من ذلك الباحث أو الباحثة في عملهما. هذه هي الضمانة التي تجعل الدراسة تتميز بأقل ذاتية ممكنة. يتطلب في هذا الجانب أن يكون " بحث فعل" (recherche -action ) أكبر دقة ممكنة. ذلك لأن الباحث أو الباحثة هما جزء مباشر من الوسط الذي يقوم هو نفسه بملاحظته.
أشكال الفرضية
يمكن صياغة الفرضية بكيفيات مختلفة. يمكننا أن نميز بين ثلاثة أشكال أساسية: الفرضية أحادية المتغير( univariée)، الفرضية ثنائية المتغير (bivariée )، والفرضية متعددة المتغيرات ( multivariée).
الفرضية أحادية المتغير
تركز الفرضية أحادية المتغير على ظاهرة واحدة، بهدف التنبؤ بتطورها ومداها. " يزداد الفقر في العالم منذ عشر سنوات" هو مثال عن فرضية أحادية المتغير؛ وليس على الباحث سوى حصر كلمة الفقر وتقييمها. إن البحث في هذه الحالة لا يعني أنه سيكون قصير بالضرورة ولكن سيركز أكثر على مراحل دون أخرى. نفس الحالة تطهر بالنسبة إلى الفرضية التي تجزم أن ما يكلفه فصل الشتاء لمدينة "الكيبك" يزداد منذ عشرون سنة؛ وعليه سيأخذ البحث الميزة الوصفية.
الفرضية ثنائية المتغير
تعتمد الفرضية ثنائية المتغيرات على عنصرين أساسين يربط بينهما التنبؤ. إنه الشكل المتعود عليه بالنسبة إلى الفرضية العلمية التي تهدف إلى تفسير الظواهر. إن هذه العلاقة الموجودة بين عنصرين يمكن أن تظهر في شكل تغير مشترك، يعني أن إحدى الظاهرتين تتغير بتغير الأخرى. هذا هو الأساس الذي قامت عليه الفرضية التي تربط بين نوع المنطقة ونسبة المواليد وتلك التي تتضمن العلاقة بين ارتفاع المداخيل والاستهلاك الكبير لتذاكر اليانصيب. إننا نتحدث، من الناحية الإحصائية.عن الارتباط بين هذين العنصرين . إن العلاقة ثنائية المتغيرات يمكن أن تكون، من جهة أخرى، علاقة سببية، انطلاقا من تقديم أحد العنصرين وكأنه سبب للآخر . هكذا يكون الأمر لما نجزم أن استمرار مدة زواج ما هو نتاج لتشابهات اجتماعية للزوجين.
الفرضية متعددة المتغيرات
تجزم الفرضية متعددة المتغيرات بوجود علاقة بين ظواهر متعددة . قد يصرح مثلا: أن النساء اللواتي لهن نسبة خصوبة أكثر انخفاضا هن الأكثر تعلما والأكثر مكافأة والأكثر تمدنا. الخصوبة والتعلم والمكافأة والتمدن هي حدود مترابطة مع بعضها البعض ويمكن تقديم هذه الحدود الأربعة، على غرار الفرضية ثنائية المتغيرات، وكأنها مترابطة أو ضمن بعد سببي. أي أن ظاهرة ما أو أكثر هي سبب لظاهرة أخرى أو أكثر. هكذا يمكن أن نفرض أن التمدن يرفع من نسبة التعلم لدى النساء، والذي بدوره يكون له أثر في الخصوبة وفي المكافآت. إن الارتباط، من جهته، لا يمكن أن يقترح إلا تغير متبادل بين هذه الحدود الأربعة دون الافتراض أن بعض الظواهر تسببت في ظهور أخرى.
أهمية الفرضية
تلعب الفرضية في العلم دورا يتعذر تقديره ؛ إذ يتم الانتقال بفضلها من الجانب التجريدي إلى الجانب الملموس للطريقة العلمية . قد تكون لدينا أروع الأفكار في العلم لتصور الواقع، إلا أن هذه الأفكار لا تكون لها قيمة إلا بعد نجاحها في جعلها فرضيات، أي اقتراحات يسمح الواقع بإثبات صحتها. إن هذا الواقع الذي نتوجه إلى ملاحظته لا يؤكد بالضرورة ما جاء في فرضية الانطلاق ، لكن بفضل صياغتها يمكن لهذا الواقع أن يأخذ معناه ومدلوله الحقيقي حتى ولو سارت هذه الفرضية في الاتجاه المعاكس للتنبؤ . يمكن إذن تأكيد الفرضية أو نفيها بواسطة المعطيات المتحصل عليها من الواقع. سواء كان ذلك في الحالة الأولى أو الثانية، فللفرضية قيمة في اكتشاف جزء من الواقع. في هذا السياق فإن الكثير من الاكتشافات العلمية قد تم التوصل إليها صدفة ونتيجة للملاحظات غير المتوقعة أو تلك التي تذهب في الاتجاه المخالف لفرضية الانطلاق.وبالتالي فإنه من غير المعقول للتفكير العلمي عدم التفتح على النتائج التي تناقض فرضيته مع ذلك، فإننا لا نستطيع أبدا القول إن الفرضية صحيحة أو خاطئة ، لن هذا يعني التغاضي عن الميزة المؤقتة للاكتشافات العلمية والتي هي محل إعادة نظر باستمرار. زيادة على ذلك ، فإن الظواهر الإنسانية تتغير وتتبدل مع الوقت ، وهذا ما يدل على أن الفرضية يتم تأكيدها أو نفيها انطلاقا من التجربة السارية، أو بالملاحظة الجارية التي قد تؤكد افتراض الانطلاق أو تلغيه.
باختصار، فإن الفرضية تصرح عن تنبؤ، أما هدف البحث فيصرح عن قصد، إلا أن الاثنان يؤديان إلى التحقق الأمبيريقي باستعمال حدود لها معنى أحادي، دقيقة، دالة وحيادية. كما يمكن أن تُعرض الفرضية في شكل أحادي المتغير وثنائي المتغيرات أو متعدد المتغيرات، وتأكيدها أو نفيها بواسطة الوقائع سيكون له قيمة كبيرة على المستوى العلمي.
التحليل المفهومي
إن التحليل المفهومي هو سيرورة تدريجية لتجسيد ما نريد ملاحظته في الواقع. يبدأ هذا التحليل أثناء شروع الباحث في استخراج المفاهيم من فرضيته(أو من هدف بحثه) يستمر هذا التحليل أثناء تفكيك كل مفهوم لاستخراج الأبعاد أو الجوانب التي ستؤخذ بعين الاعتبار. ثم يتمم تشريح كل بعد وتحليله إلى مؤشرات أو ظواهر قابلة للملاحظة. يمكن بعد ذلك أن يصل الباحث إلى تجميع بعض المؤشرات لإيجاد قياس تركيبي وهو ما يسمى بالدليل. في الأخير، تأخذ بعض المؤشرات شكل متغيرات من أنواع مختلفة.
المفاهيم
إن بعض الحدود المستعملة لحد الآن في طرح السؤال أو الفرضية أو هدف البحث تأخذ صبغة مفاهيم. هذه الأخيرة ما هي إلا في الواقع إلا تصورات ذهنية لمجموعة متنوعة من الظواهر التي نريد ملاحظتها. ويمكننا أخذ الفرضية الآتية كمثال توضيحي: "موارد الزوجين تحدد سلطتهما العائلية" فالمفاهيم الرئيسية لهذه الفرضية هي مفردات مــــوارد الــــزوجـــيـــن و الـــســلطـــة الـــعــائـــلــيـــة. فالـــســلــطــة الـــعــائـــلــيــة هي مفهوم لأن عبارة عن مختصر مجرد لظواهر عديدة قابلة للملاحظة والتي يمكن أنة تمس أخذ القرارات والمقررين المعروفين أو التعود على المهام المنزلية في العائلة، يتعلق الأمر إذن " بتصور ذهني" (représentation mentale ) نُكوِّنه حول واقع ما. إن كلمة فقير، مثلا، عي تجريد يلخص لنا في الواقع عددا من الأشخاص أو الأشياء، لهم ما يكفي من السمات المشتركة ويختلفون بالتالي عن الفئات الأخرى من الأشخاص أو الأشياء، مما يسهل في تجميعهم تحت نفس التسمية. يجمع المفهوم إذن عددا معيناً من العناصر في نفس الكلمة أو اللفظ.
الدرجة التجريدية للمفهوم
كلما ارتفعت درجة تجريد المفهوم كلما تطلب ذلك القيام بعدد أكبر من عمليات التجسيد للوصول إلى مستوى من الواقع الملحوظ. فمن مفهوم " البكر" يمكننا أن ننتقل وبسرعة إلى التعيين بالرتبة في العائلة. إن الانتقال من المجرد إلى الملموس في هذه الحالة يكون بسيطا . نفس الشيء بالنسبة إلى مفهوم الـــــدخـــــل الذي يمكن تعيينه بسرعة بواسطة المعيار النقدي. قد لا يتم الأمر بنفس السرعة مع مفهوم الرضى في العمل، مثلا: والذي قد يشير إلى كل من المهام المطلوب تنفيذها، العلاقات مع الزملاء، بالإدارة المسيرة، بمحيط العمل، بأوقات العمل، وما إلى ذلك. وبالتالي فإن عددا من الوقائع الملموسة تكون مجتمعة تحت لواء هذا المفهوم. إن هذا المجموع المعقد يعطي معنى للمفهوم أثناء تجسيده في الواقع.
التعريف المؤقت
بمجرد ما يتم تحديدنا للمفاهيم التي نريد استعمالها، نقوم بإعطاء تعريف لكل منها. إن هذه العملية الأولى من التعريف المؤقت للمفاهيم تسمح بتبديد الغموض والشكوك وضبط موضوع البحث، ممال يسهل العمليات الموالية. كما يمكننا مثلا في البداية أن نعرف مفهوم الــــســـلـــطة الـــعـــائـــلـــيــة: إنه فعل أخذ القرارات الهامة داخل العائلة. إلا أن العمليات التقريبية غير كافية، لهذا وبمجرد الانتهاء من التحليل المفهومي ينبغي علينا إعادة النظر لإتمام كل تعريف. لا بد من الإشارة هنا إلى أنه ليس من الضروري أن يتفق الزملاء حول تعاريف هذه المفاهيم التي يجب أن تكون سهلة الفهم بالنسبة إلى الآخرين. ولا تترك لديهم أي غموض.