Site web du Docteur Farouk SAIM
  الدرس الأول
 

بسم الله الرحمن الرحيم

  الفصل الأول

     منهجية البحث العلمي  المدلول والخصائص 

     تحديد المفاهيم 

          بادي بدي علينا أن نحدد المفاهيم، ونقصد بتحديد المفاهيم تبيان ما يعنيه هذا العنوان ، أي ما هو المقصود من " منهجية البحث العلمي   " وتوضيح ما يتضمنه هذا العنوان من معان، وما يظهره من صفات، وتتضح المفاهيم عندما يقرأها القارئ ويميز ما بينها وبين غيرها من الكلمات التي تُكِون هذا العنوان والتي قد تشترك في الصفات.

     ويستوجب على الباحث أو أي كاتب على العموم، أن يحدد مفاهيمه من أجل إزالة أي لبس قد يَعْلُق بذهن القارئ أو المستمع إن كان متكلما، لأن المفهوم الواحد قد يحمِل أكثر من معنى، وسنعود بالشرح والتفصيل في الفصل الذي نخصصه للكتابة أو لتحرير مشاريع البحوث.

     تعريف المنهجية

     تتكون الكلمة "المنهجية" من جزأين  اثنين، تتكون من "المنهج " ثم أضيفت للكلمة "   الياء  والتاء " أما من حيث  كلمة "منهج" : جاء في  (لسان العرب) لابن منظور الإفريقي؛ طريق نهج : طريق بَيِّنٌ وواضح، وَمْنهَجَ الطريقَ : وضّحهُ، والمنهاج كالمنهج .

    وفي القرآن الكريم جاء في سورة المائدة، الآية 48 : (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً ومِنْهَاجًا ولَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً)*.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* وقد نجدها في الآية 49 أو الآية 50 حسب الرواية أو حسب المؤسسة الطابعة.

 

 

 

    والمنهاج: الطريق الواضح. والنهج : الطريق المستقيم (1). وفي هذا المعنى اللغوي، يستعمل علماؤنا المعاصرون مصطلح " المنهج" ، ف تعني المناهج، عندهم، الطرق الواضحة التي يسلكها الطلبة والدارسون أو الباحثون في دراساتهم وفي بحوثهم.  وهذا هو المقصود من كلمة " منهج ".

     لم يكن المنهج تكرارا روتينيا كما يعتقد البعض الذين يحاولون قصره على دراسة الماضي بالتحليل والتفسير، أو البعض الآخر الذي يقصره على دراسة الحاضر المشاهد. بل ينبغي أن يرتبط المنهج بالزمن لكي يستوعب المستقبل ويتطلع إلى آفاقه المرتقبة.

  إذن بالمنهج نستطيع أخذ العبر من الماضي، ونستوعب الحاضر من أجل المستقبل، ولكي لا تكون المناهج تكرارا مملا نتيجة اقتصارها على الجاهز فقط، ينبغي أن تكون تطلعية لكي تفتح آفاق الإبداع أمام العلوم باستيعابها تطلعات المجتمع وأمانيه . وتتابع عن كثب     مراحل نموه وتطوره وتستوعب التغيرات الطارئة عليه ، وأن تبحث المناهج   دائما عن الجديد والأهم.

       إن المناهج التي تنتظر أن تصاب المجتمعات بالمشاكل والأمراض لكي تجد مواضيع للبحث والدراسة، مناهج عقيمة، لا طعم لها ولا رائحة ولا  لون لها. فالأهم أن تكون المناهج تطلعية لكي تكون سابقة لتحقيق أماني المجتمع وواقية له من التخلف والمرض ومندفعة به إلى التقدم والرقي. وآخذة الحيطة والحذر من أن ينتكس إذا ما تم علاجه من معضلة قد سبق وأن وقع فيها وشفي. ولهذه الأسباب المتعددة، لا ينبغي أن تقف المناهج عند الذي كان، أو ما هو كائن، بل ينبغي أن تطٍلع إلى ما هو متوقع.  

        هذا بالنسبة  لكلمة  "منهج" أما عندما تلصق الياء والتاء"ية" لكلمة منهج فإن المصطلح يتغير من غير أن يبتعد ابتعادا كليا عن المعنى الذي تم شرحه، ويعتبر هذا المصطلح جديد العهد، نسبيا، في اللغة العربية، وتكررت هذه الإضافة الياء والتاء، لأكثر من كلمة، وقد تستخدم أحيانا لكي تفيد الصفة العلمية للمعنى. كما أن مصطلح  منهجية  لم يظهر في اللغات الغربية إلا حديثا، أما بالنسبة لاستعماله في اللغة الفرنسيةméthodologie   فإنه  لم يستعمل بالمعنى المتداول حاليا إلا مع القرن التاسع عشر،وتعني كلمة:méthodologie  (معرفة المناهج) وتقابله كلمة: المنهج (méthode )  في الفرنسية التي من أصل يوناني حيث جاءت من اليونانية القديمة ( methodos) وتعني الاستمرار أو البحث عن وسيلة تحقيق شيء ما.

      تم تشكيل المفردة من  عنصرين اثنين ( (meta , meth)  ) وتعني بعد الذي يلي، والجزء الثاني من المفردة هو : odos))  التي تعني المسار أو الممر أو الوسيلة. مثلها مثل العربية تقريبا. أما فَرْنَسَة المنهج فهي تعود إلى القرن XVI الميلادي (*).          

        إذا أردنا أن نقدم تعريفا للمنهجية فنستطيع القول :أن المنهجية هي"مجموع القواعد العلمية التي يعتمدها رجل العلم عندما يكون بصدد القيام بعمل علمي فكري يهدف من ورائه تحقيق غاية علمية"    وعرف إميل يعقوب (1) المنهجية فيقول: " المنهجية مصطلح محدث راج في الدراسات العليا خاصة بمعنى العلم الذي يُبين كيف يجب أن يقوم الباحث ببحثه ، أو هي الطريقة التي يجب أن يسلكها الباحث منذ عزمه على البحث وتحديد موضوع بحثه حتى  الانتهاء منه، أو لنقل هي مجموعة الإرشادات والتقنيات التي تساعده في بحثه ". أما في كتاب: أساسيات البحث العلمي بين النظرية والتطبيق (2) فإننا نجد التعريف التالي: "المنهجية: نسبة إلى المنهج وهو:طريقة تنظيم المعلومات،حيث يكون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   يستحق هذا التشابه الغريب في المعنى اللاتيني مع المعنى العربي ، المزيد من البحث في بحوث أخرى، لأنه مجال  مخالف لمجال عملنا هذا.

(1) إميل يعقوب،كيف تكتب بحثا أو منهجية البحث،لبنان،جورج برس، 1986،ص 9.

(2) سلطان، وحنان عيسى، وغانم سعيد شريف ألعبيدي،أساسيات البحث العلمي بين النظرية والتطبيق،الرياض ،دار العلوم للطباعة والنشر،1984،ص73.

  عرضها عرضا منطقيا سليما، متدرجا بالقارئ  من السهل إلى الصعب، ومن المعلوم إلى المجهول، منتقلا من المسلمات إلى الخِلافيات، متوخيا في  كل ذلك انسجام الأفكــار ، وترابطها .

       وعرفها نفس المرجع أيضا بأنها : " فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين، وإما من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها  عارفين" .   

     إننا نجد هذا المصطلح "المنهجية" يُتداول عند من يدرك معناه الصحيح، كما أننا نجد من يستعمله في غير محله في أكثر من  مجـــــال،  فيستعمل أحيانا ليقصد به المنهاج، حيث هناك من يعنون  لمؤلف ما  مثل: "منهجية البحث الأدبي"  ، والمقصود هو: (منهاج البحث الأدبي) كما ويستعمل ليقصد به "السياسة" أو "الاتجاه السياسي" إلى غير ذلك من الاستعمالات العشوائية التي تقل أو تكثر حيث  يقال: "منهجية الحزب الفلاني" والمقصود هو سياسة الحزب الفلاني. 

         أما إذا حاولنا أن نحدد المعالم بين "المنهج" و"المنهجية" فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار عدة أشياء ومنها ما يلي:

        إن "المناهج" هي وصف لأعمال العلماء المتقدمين وطرائق بحوثهم وأســـالــيبــهم ومصطلحا تهم.

       أما المنهجية فمجموعة معايير وتقنيات ووسائل يجب إتباعها قبل البحث وأثناء البحث وبعد الانتهاء من العملية البحثية.   

       إن المنهجية وصفية أيضا كالمنهاج لأنها تبين كيف يقوم الباحثون بأبحاثهم، لكنها تختلف عن المنهج في أنها معيارية في الوقت نفسه، لأنها تقدم للباحث مجموعة الوسائل والتقنيات الواجب إتباعها واعتمادها للقيام بالأبحاث.

             إن مناهج الدراسة تختلف من علم لآخر، فللأدب مناهجه، وكذلك للغة، وللتاريخ، وللبيولوجيا ، وللرياضيات كذلك منهاجها، أما المنهجية فواحدة عموما’ تستخدم لكل أنواع العلوم.

        إن المناهج تُطرح عادة للنقد والتقويم، فيُفَصَّل ما عليها، وأيها الأوْلى بالإتباع، وما هو المنهج المناسب لهذا النوع من الدراسة.

       أما المنهجية، فمعايير وتقنيات يجب التزامها لتوفير الجهد، وعدم إضاعة الوقت، وتسديد الخطى على الطريق العلمي الصحيح.

       إن المناهج مرتبطة بالمنطق وطرق الاستدلال والاستنتاج والاستقراء، ولذلك فهي تتطور وعليها أن تتطور و تتعدّل من حين لآخر، أما المنهجية فأضْحت عموما جملة من القواعد الثابتة.

    تعريف البحث

           إذا أردنا أن نُعرّف كلمة "بحث" فإننا نجد أنها تُسْتخدم وعلى الخصوص في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية لوصف كثير من الأنشطة التي يبدو وللوهلة الأولي أن لها روابط ظاهرية قليلة فيما بينها، أو بينها وبين العلم.

          ويوجد اختلاف واسع الانتشار في استخدام كلمة " البحث" وإن هذا الاختلاف يوحي بتعدد التفسيرات الممكنة، وقد يكون كل منها صحيحا في الواقع ولو بصورة جزئية.

         وحيث أن اللغة العربية مثلها مثل كل اللغات شيء حي ومتغير، فإن معنى كلمة "البحث" يصاغ ويعاد تعريفه من خلال استخدامات عديدة، الدقيقة منها والغير الدقيقة، ووفقا لتفسير محتمل آخر، فإن الكلمة خاصة غير محددة، ومتعددة الوجوه، ولكنها تتسم بالمرونة مثل العقل، ولا يمكن حتى لمن يتعمق في الدراسة والتفكير أن يأمل في إدراك أكثر من جزء صغير من هذا التفسير .

        ونظرا لتعدد التعاريف لكلمة " البحث" فإن أحد العلماء ويدعى "روتشيلد" قد خصص مقالة علمية منذ ثلاثة عقود تقريبا، حلل فيها ما لا يقل عن خمسة وأربعين نوعا من أنواع البحوث.

        أما من الناحية اللغوية، فإن كلمة "البحث" لها بالطبع مدلول لغوي بصفة عامة تعني بالنسبة للغويين المعاصرين، طلب الشيء وإثارته وفحصه.

        كما أن للكلمة معنى لغويا تراثيا، وجاء في لسان العرب لابن منظور: " ( ابن منظور الإفريقي ، لسان العرب، مادة بحث )أن الباحث هو التيس أو فحل الماعز الذي يثير التراب بظلفه. وهو ما جاء في المثل العربي الذي جاء في كتاب مجمع الأمثال "للميداني" حين قال: " كالباحث عن حتفه بظلفه"(1)

        أما التعريف الذي يعنينا إن صح التعبير والذي قدمه العلماء المتخصصون’ فإنهم يعرفون "البحث" بأنه : عملية علمية، تُجْمع لها الحقائق والدراسات، وتُسْتوفى فيها العناصر المادية والمعنوية حول موضوع معين دقيق في مجال التخصص، لفحصها وفق مناهج علمية مقررة، يكون للباحث منها موقف معين ليتوصل من كل ذلك إلى نتائج جديدة.

           وإذا ما أضفنا  إلى لفظة "البحث" معناها المعجمي المعاصر، ومعناها المعجمي التراثي، نجد أن هذه المعاني مجتمعة تشير إلى طبيعة "البحث" الذي نخصص له هذا العمل وهو "البحث العلمي" الذي هو طلب لمجهول، أو بعبارة أخرى تفتيش عن  غائب حاضر (غائب عن الإثبات، وحاضر في الذهن) لأنه النشاط العقلي المنظم في التعرف على الحقيقة.

     كما يعتبر البحث العلمي وسيلة منهجية للاكتشاف والتفسير العلمي المنظم للظواهر، والاتجاهات، والمشاكل، وينطلق عادة من فرضيات أو تخمينات يمكن التأكد منها

بإتباع سبل تحقق   أهدافا ، ويمكن قياسها بقوانين طبيعية أو اجتماعية يحتكم الناس إليها، ويستهدف الوصول إلى نتائج تحقق رغبات الباحث أو الجهة المتبنية للبحث سواء كان هذا البحث نظريا تفسيريا ، أو تحليليا

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1).(الميداني، مجمع الأمثال، تحقيق د. قصي الحسين ، ص 115 )

   

نقديا أو أنه تطبيقي يستدعي النزول إلى الميدان أو الاستعانة بالمعامل والمختبرات.

       والبحث العلمي لا يعدو أن يكون سعيا وراء معرفة جديدة، أو ما اتفق العلماء المعاصرون على تسميته بالإضافة الجديدة، التي تستهوي بوجه خاص ذوي النزعات الفردية، وهؤلاء تختلف مناهجهم من شخص لآخر ، فالخطة مثلا التي يتبعها أحد  الباحثين قد  لا  تلاءم  باحثا آخر ، كما أن فروع العلم المختلفة تتطلب مناهج مختلفة، وعلى الرغم من ذلك فهناك بعض المبادئ الأساسية   والأساليب الذهنية التي تشترك فيها أغلب أنواع البحث.

      أما المواد التي لا يصح أن تسمى بحثا علميا، فهي كما يرى بعض أهل العلم فهي كما نفصله فيما يلي:

       تجميع المعطيات التاريخية من غير أن تكون هناك إضافة جديدة، وانعدام الجانب التحليلي، وكذلك غياب التَّكَشُّفات العميقة لما ورد في نصوص المعطيات المجمعة.

      القيام بدراسات وصفية محضة لحالة معينة أو لقضية من القضايا، خاصة إن غاب عن هذه الدراسات أي جانب من الجوانب التحليلية مع انعدام الجِدَّة.

      القيام بتطوير مشروع علمي معتمدين في ذلك على المعطيات المصنفة من قبل في مجال التخصص، اللهم إن قام الباحث بمقارنة النتائج والدراسات.

      القيام بتطوير طريقة معينة، أو نظام معين، ووضعه موضع التنفيذ في مجال من المجالات الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو غيرها، قد تكون طريقة المعالجة طريقة مبتكرة لكنها تفتقر الى شرط الجِدَّة.

       القيام بتطوير طريقة معينة لبرامج معلوماتية مثلا، من أجل المساعدة على تحاليل إحصائية في دراسة معينة، لكنه لا يعتبر بحثا علميا لأنه يفتقر إلى شرط الجِدَّة.

       وبعد أن حاولنا تقديم تعاريف للبحث العلمي لا بد أن نقدم بعض التعاريف للعلم.

     تعريف العلم

         ولا يفوتنا في هذه التعريفات أو نقُل هذه التحديدات للمفاهيم أن نعرف معنى كلمة "العلم" الذي هو العنصر الأساسي في هذا المجال.    

          مثله مثل  البحث حيث يواجه أيضا صعوبات جمة ومحاذير كثيرة في تحديده وفي تعريفه ، لأنه لم يتخذ معناه الاصطلاحي، ويصبح مهنة، إن صح التعبير، ويصبح عملا يحترفه البعض ويتخصص فيه إلا منذ زمن ليس بالبعيد. فقد توزعت ممارساته من قبل، بين مختلف أنواع النشاط الإنساني، العملية والعقلية، ولم يتبدى في صورته النقية الآنية الحديثة إلا ما يقرب من أربعة قرون. غير أن ميلاده الفعلي يرجع إلى قبل ذلك بقرون بعيدة.

       ولا شك أن العلم كأحد الأنواع الكبرى  لنشاطنا العقلي يشبه الفن والدين والفلسفة التي لا يمكن أن نفهم أحدها دون  أن نقدر صلته بتاريخه في الماضي .

           ورغم التغييرات التي طرأت على المحتوى المعرفي للعلم ومناهجه ونظرته العامة وأهدافه،  فكناك  قاسم مشترك في مراحل تطوره . وحول هذا القاسم المشترك ينشب النزاع بين الباحثين في نظرتهم إلى العلم وتعريفهم له.       

        ولا يمكن بطبيعة الحال أن نعرض مسحا شاملا لتعريفات العلم، فهذا أمر متعذر، لأن كل من تناول بالدراسة أي شأن من شؤون العلم، قد قدم قبلها تعريفه الخاص للعلم. فضلا عن أن ذلك المسح الشامل جهد غير قليل العنـــاء.

        ونقدم للقــارئ بعض التعاريف المختلفة لعلنا نجد فيها ما يرشدنا إلى تكوين تعريفا شافيا كـافيا على الرغم من تعدد هذه التعاريف:

      العِلْـمُ، هو كل نوع من المعارف أو التطبيقات. وهو مجموع مسائل وأصول كليّة تدور حول موضوع، أو ظاهرة محددة وتُعالَج بمنهج معين وينتهي إلى النظريات والقوانين.  

      ويُعرَّف أيضًا بأنه: "الاعتقاد الجازم المطابق للواقع وحصول صورة الشيء في العقل"  وعندما نقول أن: "العلم هو مبدأ المعرفة، وعكسه الجَهـْلُ" أو "إدراك الشيءِ على ما هو عليه إدراكًا جازمًا"  يشمل هذا المصطلح، في استعماله العام أو التاريخي، مجالات متنوعة للمعرفة، ذات مناهج مختلفة مثل الدين (علوم الدين) و الفلك (علم الفلك) والنحو (علم النحو)...

     ويقول جون ديمون  بيرنال (1) "أن العلم بوصفه أنبل زهرة للعقل الإنساني . وأعظم نبع واعد بالمآثر المادية، له صورتان : صورة "مثالية" يبدو فيها العلم بكشف الحقيقة وتأملها، ومهمته أن يبني صورة عقلية للعالم تلاءم وقائع الخبرة.

 

جون ديزموند برنبال (10 مايو 1901 - 15 سبتمبر 1971)، أحد أشهر العلماء البريطانيين وأكثرهم إثارة للجدل. عرف عن باستخدامه للأشعة السينية لطريقة تحليل المواد البيولوجية، مما جعل منه رائدًا في مجال علم الأحياء الجزيئي. كما أسهم برنال في استخدام الأشعة السينية كتقنية مهمة وفاعلة في علم البلورات.

ولد برنال في أيرلندا ودرس فيها، كما درس في جامعة كامبردج، ثم أصبح محاضرًا في كلية بركبيك بلندن عام 1938. ومن كتبه "الوظيفة الاجتماعية للعلوم" عام 1939، وكتاب "العلوم في التاريخ" عام 1954.

يقيِّم روجر بيلكه جونيور رائعة جيه. دي. بيرنال عن سياسات العلوم في الذكرى الخامسة والسبعين لتأليف الكتاب.روجر بيلكه جونيور

الوظيفة الاجتماعية للعلوم.  جيه. دي. برنال، مطبعة جورج روتلدج وأبنائه، 1939.

في عام 2011، أصدر السيناتور توم كوبرن ـ عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الجمهوري في ولاية أوكلاهوما ـ تقريرًا، ركّز فيه على تقديم المساعدة لمؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية؛ من أجل إضفاء مزيد من التطوير والتحسين على البحوث التي تجريها، والتي «يُمكن أن تُبدِّل من حياتنا، وتحسِّن أوضاعنا المعيشية، كما تسهم في تطوير فهْمنا للعالَم، وخلْق وظائف جديدة هادفة». ومن المثير للسخرية أن مطالب ذلك السيناتور المحافظ ـ التي تدعو إلى أن يتم التخطيط لإجراء البحوث العلمية بعناية، وأن تركز هذه البحوث على أهداف اجتماعية ـ يمكن العثور عليها مباشرة في كتابات جون ديزموند برنال، عالِم البلوريات الشيوعي ـ أيرلنديّ المولد ـ منذ خمسة وسبعين عامًا.

تجد تلك المطالب صداها بالكامل فيما دعت إليه آراء برنال في كتابه «الوظيفة الاجتماعية للعلوم» The Social Function of Science لعام 1939، الذي يعرض عملية تنظيم إجراء البحوث العلمية بشكل يتناسب مع العلوم ودورها الاجتماعي، إلى الحد الذي صارت فيه تلك الآراء في وقتنا الحاضر جزءًا من نسيج المناظرات الدائرة بشأن سياسات العلوم عبر الساحة السياسية. وقد رأى برنال أن الفائدة تتعدى كونها طموحًا، فهي الهدف المحوري من الأنشطة والمشروعات العلمية، والغاية المرجوة من دعم الدولة للعلوم.

جيه دي برنال ساعد في وضع تعريف لما يُسمَّى «علم العلوم»، بوصفه مبحثًا علميًّا.

 

كان برنال من بين أول مَن اعترفوا بأن جميع الالتزامات والإسهامات العامة هي في النهاية ذات طبيعة سياسية، على الرغم من أن رؤية برنال للعلماء بوصفهم مجموعة من البواسل الذين ينفِرون لمقاومة السياسات الحزبية ربما تبدو الآن مُغْرِقة في السذاجة: «إن العالِم يرى الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في صورة مشكلةٍ، مطلوب ـ في البداية ـ إيجاد حل لها، ثم تطبيق ذلك الحل، وليس في صورة معركة بين عدد من الشخصيات، والمِهَن، والمصالح المُكتسَبة».

كان برنال أوّل مَن قام بتجميع التقديرات والأرقام الخاصة بالإنفاق الحكومي الكبير على العلوم، قبل ظهور المقاييس الخاصة بإجمالي الناتج المحلي لأول مرة في أوائل الأربعينات من القرن الماضي بعدة أعوام. وبناءً على تلك التقديرات.. انتهى برنال بفطنته وبصيرته إلى أن الولايات المتحدة تعُدّ العُدّة، وتتأهب للقيام بدور قيادي طويل الأجل في المجالات العلمية. وفي عصرنا الحاضر يرتكز الكثير (إنْ لم يكن الكثير جدًّا) من المناقشات بشأن سياسات العلوم على ذلك النوع من الحسابات المعقدة. ومنذ خمسة وسبعين عامًا كان ذلك بمثابة منظور جديد تمامًا، يُمكن من خلاله رؤية الهدف من الأنشطة والمشروعات العلمية.

وُلد برنال في أيرلندا في عام 1901، وكانت العلامة البارزة في سنوات تكوينه الأولى نشوبَ الحرب العالمية الأولى، واندلاع الثورة الروسية في عام 1917، وكان لهذه الثورة ـ جنبًا إلى جنب مع الكساد العظيم الذي حدث فيما بعد في ثلاثينات القرن العشرين ـ وقْع سلبي دائم على رؤية برنال للرأسمالية، وموقفه تجاهها. وبعد حصول برنال على درجته العلمية في الرياضيات والعلوم من جامعة كمبريدج بالمملكة المتحدة في عام 1922، تلَقَّى تدريبًا بعد التخرج في علم التصوير البلوري باستخدام الأشعة السينية (أشعة إكس) قبل الالتحاق بهيئة تدريس كمبريدج في عام 1927. أصبح برنال جزءًا من النخبة الفكرية التي تعتنق أفكار الجناح اليساري في بريطانيا، وانضم إلى النادي العلمي الذي أسسه عالِم الحيوان سولي زوكرمان، والذي كان يُسمَّى باسم «توتس وكوتس» Tots & Quots (نسبة إلى الكاتب المسرحي الروماني تيرينس، ومقولته «Quot homines, tot sententiae»، ومعناها: «رجال كُثر، وآراء كُثر») مع عالِمَي الأحياء جوليان هاكسلي، وجيه. بي. إس هالدان وغيرهما. وقد أصبح زوكرمان كبير المستشارين العلميين الأوائل لبريطانيا في عام 1964.

بدأ برنال في كتابة مؤلَّفه «الوظيفة الاجتماعية للعلوم» في عام 1938، بعد أن «أصبحت له مكانة مميزة في المجتمع العلمي»، وفقًا لما قاله كاتب سيرته أندرو براون («حكيم العلوم» The Sage of Science، مطبعة جامعة أكسفورد، 2007). لم يكن برنال مطلقًا أول مَن تناول مسألة الصلة والارتباط ما بين العلم والمجتمع. فعلى سبيل المثال.. كان محور اللقاء الذي أجرته الجمعية البريطانية للعلوم في عام 1936 يدور حول فكرة «العلم والرخاء الاجتماعي». وفي عام 1937، أضافت الرابطة الأمريكية لتقدم العلوم من ضمن أهدافها «استكشاف مدى التأثير الشديد للعلوم على المجتمع». ومع ذلك.. فإن كتاب برنال قد أسهم في وضع تعريف لمبحث علمي جديد يمكن تسميته بعلم العلوم.

كان كتاب برنال مثيرًا للجدل في حينه، ويرجع ذلك إلى سببين: أولهما أن برنال كان يقدم رؤية للعلوم تتعارض بشكل مباشر مع مبدأ «العلوم البحتة» الذي كان يتضمن أنه من المُنتظَر من العلماء أن يبتعدوا عن الشؤون العامة. أما ثانيهما، فيتلخص في رؤية برنال للعلوم، وإعلانه أن العلم يحقق وظيفته الاجتماعية من خلال دعم مجتمع قائم على التخطيط المركزي، بل إنه قال صراحةً: «إن العلم هو الشيوعية»، واحتج في ذلك بأنّ الاتحاد السوفييتي «كان الدولة التي تتحقق فيها الوظيفة الحقيقية للعلوم».

ووسط المناظرات والمناقشات التي ثارت في الدوائر العلمية وغيرها، والتي وضعت التخطيط العلمي في مواجهة الحرية، وبالتحديد في الأساس المواجهة ما بين المواقف الاشتراكية وعَدُوّتها الرأسمالية، كانت الحجج التي ساقها برنال عادةً ما تختلط بدعمه للاتحاد السوفيتي، بل وتشجيعه في غالبية الأحيان. وفي إحدى المقالات التحريرية التي نشرتها دورية «نيتشر» في عام 1946، حاول الكاتب أن يتوصل إلى موقف وسيط، لكنه أخفق في ذلك إلى حد كبير.. «فرغم أننا نزعم أن تأثير العلم على المجتمع بصدد تحقيق أهمية كبيرة في وقتنا الحاضر بدرجة تتطلب دراسة مستمرة، من المؤكد أنها سوف تثمر في النهاية عن تخطيطٍ واعٍ، فإننا مقتنعون ـ بشكل مساوٍ ـ بأن العالِم هو الشخص الذي ينبغي السماح له بالقيام بعملية التخطيط تلك بالتشاور مع الآخرين. وفي هذه الحالة.. فإن حريته لا ينبغي عرقلتها، أو الحدّ منها.

كان مايكل بولاني هو الخصم الفكري الأكبر لبرنال، عالِم كيمياء مَجَرِيّ، كان معارضًا للأفكار والمبادئ السوفيتية. وقد نشر بولاني في عام 1962 مقالة صحفية رائعة، بعنوان: «جمهورية العلوم: النظرية السياسية والاقتصادية» (The Republic of Science: Its Political and Economic Theory ، طرح فيها فكرة أن العلماء الأفراد الذين يسعون نحو الحقيقة قد قادوا البشرية إلى أفضل النتائج الاجتماعية وأكثرها كفاءة. ولا يمكن أن تكون أوجه التوازي بين هذه الأفكار وبين ما طرحه آدم سميث عن «اليد الخفية» التي توجه الاقتصاديات الرأسمالية قد حدثت بمحض الصدفة.

وقد استمرت تلك المناظرة ـ التي دامت لعقود ـ ما بين برنال، وبولاني في عديد من السياقات. فعلى سبيل المثال.. ثار جدل كبير في الولايات المتحدة في عام 1943 عندما طُرح اتجاه أكثر تنظيمًا يؤيد الدعم الحكومي للعلوم، واقترح السيناتور هارفي كيلجور ـ الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي في ولاية ويست فيرجينيا ـ إنشاء مكتب من أجل «تعبئة الموارد العلمية والفنية للأمة». وفي مُراسَلة لصحيفة «نيويورك تايمز» حذَّر كاتبها من أن ذلك الاقتراح المطروح بخصوص إخضاع العلوم لإدارة الحكومة وتوجيهاتها يمثل «بذرة كامنة لشكل من أشكال الشيوعية، التي تُعَدّ غريبة تمامًا عن المبادئ والمُثُل التي تناضل شعوبنا من أجل تأييدها ودعمها». وبعد الحرب العالمية الثانية، ردَّد المهندس فانيفار بوش أفكار بولاني، وأعلن تأييده لإتاحة الموارد العامة مع توفر قدر قليل من المسؤولية العامة، كان بوش هو الذي أشرف على التقرير الحيوي الذي صدر في عام 1945، تحت عنوان: «العِلْم: حدود بلا نهاية» «Science —The Endless Frontier» والذي تناول سياسات العلوم في الولايات المتحدة.

في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، أخذت شمس المستقبل المهني لبرنال في الأفول، إثر تأييده لنظرية التحكم السياسي بالوراثة الزراعية، التي طرحها عالِم الزراعة الروسي تروفيم ليسينكو. ونالت تلك النظرية تقديرًا من الأوساط السياسية في الاتحاد السوفيتي، لكنها سرعان ما تعرضت للتكذيب والرفض من جانب علماء الغرب. وفي عام 1948، خاض برنال مناظرة ضد بولاني، أذيعت على أثير هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، وألقى فيها بولاني الضوء على مدى القمع والتقييد الذي يتعرض له العلم في ضوء نظرية ليسينكو، كدليل على مدى العيوب الناتجة عن قيام الدولة بالتخطيط للعلوم. وقد كشف التحقيق الذي قامت به هيئة الإذاعة البريطانية لاحقًا عن أن تسعة من علماء الوراثة الروس قد أُعدِموا بسبب قيامهم بالتعبير عن آراء مغايرة أو بديلة لتلك النظرية. ونظرًا إلى دفاع برنال المتواصل عن نظرية ليسينكو، إضافة إلى النعي الذي يفيض حماسةً وإعجابًا، والذي نشره في رثاء ستالين في عام 1953 في مجلة «مودرن كوارترلي» Modern Quarterly، فقد أسهم ذلك في أفول نجمه من الساحة العلمية.

على الرغم من أن برنال قد خسر المعركة الفكرية التي خاضها بشأن سياسة الحرب الباردة، فإن أفكاره التي تختص بالوظيفة الاجتماعية للعلوم قد انتصرت على ما سواها من أفكار في جميع الحالات تقريبًا. وكان الأثر الأكبر والأكثر أهمية لكتاب «الوظيفة الاجتماعية للعلوم» أنه عجَّل وساعد في أن يتوارى مبدأ «العلوم البحتة»، ويتراجع إلى مصاف الخرافات والأساطير، وبشَّر ـ في الوقت ذاته ـ ببزوغ فجر عهد جديد، يُركِّز فيه العلم على تلبية احتياجات المجتمع التي يصفها العلماء والساسة في يومنا الحاضر بأنها «التحديات العظيمة» التي تواجه البشرية.

بعد مرور خمسة وعشرين عامًا على نشر الكتاب، أكّد برنال أن تلك الاحتياجات المجتمعية تتضمن تفكيرًا منطقيًّا ومنظمًا بشأن العلوم ذاتها: «إننا بحاجة إلى استراتيجية بحثية، يجب أن تقوم على علم يختص بالعلوم نفسها». وفي زماننا الحالي، سواء أكان المتحدث سيناتورًا أمريكيًّا، أم رئيس وزراءٍ بريطانيًّا، أم حتى رئيسًا صينيًّا يُعبِّر عن وجهة نظره في أن العلم لا بد أن يكون في خدمة المجتمع، فالجميع يرددون تلك الأفكار العظيمة التي نادى بها برنال. وبعد مرور خمسة وسبعين عامًا على نشر الكتاب، فإن الإرث العظيم الذي تركه الرجل لا شك يتمثل في التأثير البالغ الذي تركه ذلك الكتاب الرائع على فكرة سياسات العلوم.

       والصورة الثانية "واقعية" تسود فيها المنفعة، وتتعين فيها الحقيقة وسيلة للعمل النافع، ولا تختبر صحتها إلا بمقتضى ذلك الفعل المثمر"

و بتعريف أكثر تحديدًا: "العِلْـمُ" هو: "منظومة من المعارف المتناسقة التي يعتمد في تحصيلها على منهج علمي دون سواه، أو مجموعة المفاهيم المترابطة التي نبحث عنها ونتوصل إليها بواسطة هذه الطريقة".

          أنفصل عبر التاريخ مفهوم العِلم تدريجيا عن مفهوم الفلسفة، التي تعتمد أساسا على التفكير والتأمل والتدبر في الكون والوجود عن طريق العقل، ليتميز العلم في منهجه باتخاذ الملاحظة والتجربة والقياسات الكمية    والبراهين الرياضية هي وسيلة لدراسة الطبيعة، ولصياغة الفرضيات ولتأسيس قوانين ونظريات لوصفها.     

      يتطابق ظهور العِلم مع نشأة الإنسانية، وقد شهد خلال تاريخه سلسلة من الثورات والتطورات خلال العديد من الحقبات ، لعل أبرزها تلك التي تلت الحرب العالمية الثانية، مما جعل العلم ينقسم لعدة فروع أو عُلُوم.

       أما من حيث التصنيف فإننا نجد أن العلوم تُصنف حسب العديد من المعايير، فهي تتميز بأهدافها ومناهجها والمواضيع التي تدرسها:

حسب الأهداف، تُميز العلوم الأساسية (مثل الفيزياء) والعلوم التطبيقية (مثل الطب)

حسب المناهج، تُميز العلوم الخبرية أو التجريبية (أي تلك التي تعتمد على الظواهر القابلة للملاحظة والتي يمكن اختبار صحة نظرياتها عن طريق التجربة) والعلوم التجريدية أو الصحيحة (المعتمدة على مفاهيم وكميات مجردة، والاستدلال فيها رياضي- منطقي).

حسب المواضيع، تُميز  العلوم الطبيعية (الشاملة، كالفيزياء والكيمياء أو المتخصصة، كعلم الأحياء أو علم الأرض).

       العلوم الإنسانية أو البشرية وهي العلوم التي تدرس الإنسان ومجتمعاته (علوم اجتماعية) كالاقتصاد والنفس والسياسة...

      العلوم الإدراكية مثل العلوم العصبية واللسانيات والمعلوماتية... العلوم الهندسية.

 

تعريفات العلم المختلفة الأخرى

      يَحملُ  تعريف العِلم (بكسر العين) في اللّغة العربية اختلافا كبيرًا بين معان عديدة ومصادر مختلفة:

        العِلم كمرادف للمعرفة، يعني إدراك الشيء بحقيقته، و نقيضه الجهل. فيقال "فلان على عِلْمٍ بالأمر أي يَعرفُه ". وفي قول الله تعالى {أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} (النجم 35). وتنسب المعرفة عادةً، في بعض السياقات، للإدراك الجزئي أو البسيط لا للمفاهيم الكّلية والمركبة فيقال "عَرفتُ الله" ولا يقال "عَلمتُ الله ".

         العِلم كمرادف أو كمرتبة لليقين ونقيض للشّك والظن، ويظهر هذا المعنى في القرآن الكريم في العديد من الآيات مثل قول القرآن {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ} (البقرة 144) و{كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمْ} (التكاثر 6،5) ويقال "اليقين هو بلوغ الإيمان في القلب لمرتبة العِلم والمعرفة التامة وتُنافي الشّك والريب

عنها ".

       العِلم ويُراد  به  في الحضارة الإسلامية العِلم الشرعي اقتصارا دون العِلم الدُنيوي. ويطلق لفظ العَالِم على الفقيه والمجتهد في الشريعة وأصول العقيدة الإسلامية، ويقول رسول الله {إن العُلَماء ورَثةُ الأنبياَء، إن الأنبياَء لم يورثُوا درهمًا ولا دينارًا وإنما ورثُوا العِلمَ فمَن أخذه أخذ بحظٍ وافرٍ} (أخرجه أبو داود). وقد جاء فضل العِلم والثّناء على أهله في الكثير من سور القرآن الكريم، مثل قول القرآن {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير} (المجادلة 11) و{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب} (الزمر 11). وكذلك في الأحاديث النبوية التي تحض على طلب العلم والعمل به وتبليغه، ومنها عن أبي أمامه حين قال: سمعت رسول الله يقول{فَضلُ العَالِم على العَابِد كفضلِي على أدناكُم} ثم قال {إن اللَّه وملائكتهُ وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جُحرها وحتى الحوت لَيصلُون على مُعَلِمي النّاس الخير} (أخرجه أبو داود). وينقسم العِلم الشرعي على قسمين: الأول فرض عين، أي ما يلزم المسلم معرفته عن أمور دينه مثل أحكام الحلال والحرام، والثاني فرض كفاية، بحيث يكون واجبا على جمع من الأمة ويحصل بهم القيام بهذا الواجب .

        وفي القرآن الكريم، ويُراد به كل ما بني منطقيا على معطيات الحواس ولا فرق في ذلك بين علوم دينية أو طبيعية أو منطقية،قال تعالى:"وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ  بِهِ عِلْمٌ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا " (الإسراء  17)، وهذا دال على أن الحواس والمنطق مسئولون عن تكوين العلم في النفس، ينتج عن التأمل والتفكر والتعقل في الطبيعة وقوانينها ويدعو من خلال ذلك إلى الإيمان باللّه. ويتجلى ذلك في العَديد من الآيات ومنها قَولُه تعالى [أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ] ( فاطر 27) [وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عزيز غفور] فاطر28)

و[قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (العنكبوت 20).

              العِلم، بتعريفه الحديث، يطلق في الآن نفسه على طريقة التفكير العلمية (مشاهدة، فرضية، تجربة، صياغة) والمنظومة الفكرية التي تنتج عنها وتشتمل على مجموعة الفرضيات والنظريات والقوانين والاكتشافات المتسقة والمتناسقة التي تصف الطبيعة وتسعى لبلوغ حقيقة الأشياء. والكلمة المقابلة للعِلم، بهذا التعريف، في الفرنسية هي "سيانس"( Science ) مشتقة من كلمة (scientia ) اللاتينية وتعني المَعرِفة . يقصي هذا التعريف كل ظاهرة غير قابلة للمشاهدة وكل فرضية لا يمكن اختبارها بالتجربة لإثباتها أو تفنيدها. ويعتبر بعضهم أن الرياضيات، رغم أهميتها للعِلم، غير مشمولة في هذا التعريف لأنها لا تتطلب المشاهدة، وتتخذ بديهيات ومسلمات، وتتعامل مع الكائنات المجردة غير قابلة للتثبت عن طريق التجربة. وكما تستعمل الرياضيات كوسيلة أو أداة لدراسة قوانين الكون.

     بين البحث والعلم

          يتفق الباحثون جميعا على أن العلم بحث نظري. بمعنى أنه جهد مبذول للمعرفة والفهم الذي يحيط بظواهر الطبيعة، على أن تشمل الطبيعة كلا من الإنسان والعالم المحيط به ، ولكن الخلاف لا يبرز إلا عند من لا يقنعون به كذلك  ، بل يمدون مجاله إلى تطبيقات نتائج بحثه النظري على كــافة ميادين الحياة . فالعلم عند هــؤلاء نظر وتطبيق،  ولا مسوغ لديهم للتفرقة بين علم أكــاديمي وآخر تطبيقي، أو بين بحث أساسي، وبحث عملي، وبذلك ترتفع الحدود بين الاكتشاف والاختراع، وتزال الفوارق بين العلم والتكنولوجيا.

            فالعلم ، في نظر  هؤلاء ، ليس حسبه معرفة ضروب متعددة من الوجود وفهمها بل يضاف إلى ذلك خلقه وإبداعه لألوان جديدة من الواقع . ولا فرق بين ما يبدعه من مفهومات فيزيائية ورياضية ، وبين ابتكاره لعناصر كيماوية ومنتجات صناعية وأنواع بيولوجية بمزاولة أساليبه التقنية، و اســتدلالاته العقلية، واستخدامه الاقتصادي لمعارفه. ولا فرق أيضا بين فائدة العلم الروحية التي تتمثل في التمكن من قهر الأسرار والمعجزات والخرافات، وخفض القلق العقلي، وبين منفعته المادية التي تتبدى في إتاحة الرخـــاء والرفاهية، والتغلب على الجوع والألم ومقاومة الآفات.   

 أقسام البحوث

              قد يتساءل القارئ هنا عن سبب عدم تعرضنا هنا في هذا الباب  للبحوث الغير الجامعية، فلا لسبب سوى لأن مجال البحوث الغير الجامعية واسع وعريض ولا نستطيع أن نفيه حقه هنا.

    أما أقسام البحوث الجامعية فهي ثلاثة أقسام رئيسية نشرحها في التالي:

   أ )  البحوث الجامعية في مرحلة التدرج

       البحوث الجامعية التي يقوم بها الطالب أثناء مرحلة التدرج وخاصة تلك التي يختم بها هذه المرحلة، وينال عليها الطالب شهادة الليسانس، أو دبلوم مهندس، أو قد يطلق عليها اسم أخر، المهم أن هذا القسم يكون خاتمة مرحلة التدرج .

       أما من حيث طبيعة البحث على هذا المستوى، فالمطلوب من الطالب أن يقوم بجمع معطيات لمادة علمية من مصادرها الأولية  وكذا الثانوية، ويعيد صياغتها في أسلوب علمي (*) أما المطلوب من الطالب في هذا المستوى فهو تدريبه على تطبيق المعارف التي تلقاها في شتى التخصصات التي تحصل عليها في مرحلة التدرج، متبعا منهجا علميا سليما، مطبقا لقواعد  منهجية البحث العلمي، واستخدام المصادر،

وتدريبه على اختيار المادة العلمية المناسبة والمطلوبة والمقبولة علميا، وكذلك تمكينه من التدرب على جمع المعلومات وتنظيمها وفق منهاج علمي محدد، والتمرن على التحرير من إنشائه وبمفرده.

 ب )  البحوث الجامعية على مستوى ما بعد التدرج الأولى.

       يقوم الطالب الباحث في هذا القسم بجمع المعطيات من مصادرها الأولية بقدر الإمكان سواء كانت دراسات أو بحوث أو بيانات أو معلومات مختلفة، فيقوم

 

بتكشفها وفحصها بكيفية جد معمقة، مع النقد السليم المبني على القواعد المنهجية العلمية السليمة، ويحاول تفسيرها، معتمدا كل القواعد العلمية التي تعلمها، حيث أن من دواعي القيام بهذا العمل في هذه المرحلة وعلى هذا المستوى هو امتحان قدرة الطالب على استعمال المناهج العلمية وبكيفية سليمة و دقيقة وموضوعية.

 

--------------------------------------------------------------------------------------------                                    *  الرجوع الى الأنواع الكتابية التي تعتمد في كتابة البحوث العلمية في فصل كتابة البحث العلمي)

 

 

أنواع البحوث

 

           إن البحوث العلمية متنوعة تنوع التخصصات , ومجالات المعرفة ,لأنها جميعها تقع تحت أحد الأنواع الثلاثة التالية؛ إما بحوث وصفية، وإما بحوث تاريخية, وإما بحوث تطبيقية ونأتي فيما يلي بشيء من التفصيل :

   

 البحث الوصفي

     يطلق أحيانا على البحث الوصفي البحث الغير التطبيقي. وموضوع هذا النوع من البحوث هو: الوصف والشرح والتفسير , والتحليل في العلوم الإنسانية من فكرية أو اقتصادية أو غيرها, واجتماعية  وثقافية, أو لِما يرصد من الأحداث التي تقع وإمكانية ملاحظتها, وتحليلها  ووصفها وتعليلها ,  ورصد التأثيرات والتطورات المتوقعة. كما هو الحال بالنسبة لوصف الأحداث الماضية, وتأثيرها على الحاضر, ويهتم أيضا بالمقارنة بين ظواهر مختلفة , أو متجانسة و ذات وظيفة واحدة, أو نظريات تعتبر من المسلمات.

 

 خصائص البحث الوصفي

       للبحوث الوصفية عدة خصائص تتمثل في الأمور التالية:

1     – أن البحث الوصفي يبحث العلاقة بين الظواهر المختلفة الكائنة في طبيعتها والتي لم يسبق دراستها، فيتخير منها الباحث ما له صلة بمشروعه كي يتمكن من تحليل العلاقة بينها.

2     - و كذلك فإن هذا النوع من البحث يتضمن مقترحات , وحلولا مع امكانية اختبار صحتها.

3     – كثيرا ما يتم استخدام الطريقة المنطقية ـ الاستقرائية الاستنتاجية  "déductive           inductive".

4     – وقد يذهب الباحث إلى طرح ما ليس صحيحا من الفرضيات والحلول.

5     – وقد يعتمد إلى وصف النماذج المختلفة , والإجراءات بصورة دقيقة كاملة بقدر المستطاع, بحيث تكون مفيدة للباحثين في كثير من الأحيان.

6     – ويجدر بنا أن نفرق بين هذه البحوث العلمية, وبعض البحوث الأخرى التي تتلبس بها  وهي بحوث تقوم إما على التقدير estimation » "أو على التقويم  "  évaluation "

   

         والبحث الذي يقوم على التقدير ، فإنه يصف ظاهرة أو حالة من الحالات  في وقت معين من دون الحكم عليها , أو تعليلها, وذكر أسبابها، أو إعطاء توصية بخصوصها. كما لا نراه يتحدث عن فاعليتها. إلا أنه ربما تطلب بعض الأحكام والآراء لبعض الحالات، بقصد عرضها لما لا يمكن توقعه.

      أما البحوث التي تنهض على  التقويم فإنها تضيف إلى الأوصاف  الحكم على الوسائل الاجتماعية , وما هو المرغوب فيها من مواقف وإجراءات وما مدى تأثير الاجراءات, والبرامج، كما يتضمن كذلك في بعض الأحيان توصيات لبعض ما ينبغي اتخاذه من مواقف وإجراءات , وهذه الأنواع الثلاثة المتشابهة ونعني بها: البحث الوصفي والبحث التقديري والبحث التقويمي وهي بحسب ما نرى متقاربة , ويكاد لا يفرق بيتها، فهي جميعا طريق للوقوف  على معلومات تتطلب الخبرة , والموضوعية, والتنفيذ الدقيق.

      وجميع هذه الأنواع من البحوث تستعمل أسلوبا متشابها في الملاحظة, في الوصف, وفي التحليل, وفي الكيفية التي ا يتعامل بها مع المعلومات, وفي الطريقة التي توصله إلى النتائج المتوخاة منها.

 

  البحث التاريخي  

       كما هو معلوم, فإن التاريخ هو سجل الحياة الانسانية والمنجزات التي حققها الإنسان . أما البحوث التاريخية فهي توضح حقائق العلاقات بين الأشخاص والأحداث. والأزمنة والأمكنة. ونحن ندرس التاريخ لنفهم الماضي , ولنتفهم الحاضر على ضوء الماضي , حتى نتمكن ونسهل عملية صناعة المستقبل.

       كما يرى كثير من العلماء أن التحليل التاريخي لأشخاص أو لأفكار , أو لحركة , أو لمؤسسة علمية , مع دراسة تفاعلاتها مع  الإنسان ,  والحركات , والبيئة , والمؤسسات في زمانهم, وليس بمعزل عنها.

       كذلك فإن البحث التاريخي لا يتم إلا باستخدام الطريقة العلمية لوصف الأحداث  وتحليلها    مع ما حولها ، إن تأثرا أو تأثيرا.

       ويحصل المؤرخون  على إحصائياتهم إما من الملاحظة , أو من تجارب الآخرين لأنهم لم يكون في موقع الحدث . كذلك لا بد لهم من استعمال الحس المنطقي لإكمال ما يبدو غير كامل من الأحداث , كما وجدوا.

     إن أولى المصادر المعتمدة في هذا المجال : هي الشهادات و أو ما تبقى من الآثار مثل العظام , أو بقايا الملابس أو الأدوات أو الآلت الزراعية , والأطعمة , والأسلحة , والنقود، والرسومات، والنقوش، والأسلحة،  وغيرها من الأشياء التي تفيد في البحث العلمي.

      وسنتوسع أكثر عندما نتطرق إلى مناهج البحث المختلفة.

 

  

        البحث التطبيقي

         يعتمد الباحث في هذا النوع من البحوث على إجراء تجارب , وعلى دراسة عينات , أو دراسة حالات طبيعية , وملاحظة تغيرها وتفاعلها وتأثرها , وهي تتم بطريقة علمية منظمة .

        والباحث في هذا المجال، لا بد أن يكون ذا دراية تامة بالنظريات الأخرى التي تؤثر في نتائج ما يقوم به من تجارب , وذا قدرة على تحويرها , أو ضبطها بحيث يستخلص منها نتائج جديدة.

      فإن تحديد الباحث للمشكلة يستهدف إجابة علمية , أو تغيير فرضياته وطرح فرضيات أخرى . وعليه أيضا أن يفحص الفرضيات للتأكد من صحتها (*).

    

    ويعتبر المختبر  "  laboratoire "   المكان التقليدي لإجراء التطبيقات العلمية, بالنسبة لبعض العلوم , لأن هناك بعض الظواهر ومنها الإنسانية التي يستحيل على الباحث أن يدخلها لمخبره ,  "وهل يستطيع الباحث مثلا أن يدخل الأزواج داخل المختبرات ليبحث في أسباب ظاهرة الطلاق المتفشية في بعض المجتمعات أكثر من غيرها في مجتمعات أخرى"

       ونخلص إلى القول بأن الهدف المباشر من البحث التطبيقي هو اكتشاف الجديد وتطبيق النظريات العلمية التي قد يؤكدها البحث التطبيقي أو قد يبطلها. من اجل الوصول في النهاية إلى نظرية علمية جديدة أو إلى قوانين علمية أخري .

 

 

       لماذا  البحث

                 معنى السؤال

         قلائل هم من يعود إليهم حق اختيار بحثهم، إلا أن السؤال عن معنى البحث كان دائما موضوع نقاش وتبادل في الآراء وانتقادات وفي كل الأحوال يوجد دوما تباين للمواقف.  إذ نتساءل دوما عن جدواه ، ونطرح الآراء حول شكله ومعناه وملاءمته للمجتمع. طبعا تختلف هذه الآراء في ما بينها ن وغالبا ما تتغير خلال فترة الانجاز . والحالة هذه ، لم لا نشارك في الجدال الدائر؟

            للضرورة

        كثيرا ما تكون الضرورة سببا لتحقيق البحث، وهذا أمر تدل عليه قوانين الجامعات ، فهو غالبا العائق الأخير الذي يجب اجتيازه للحصول على الدبلوم ، الخطوة التي لا بد منها . والملاحظ أن هذا الطلب معمم جدا : لقد نجح في مقاومة عدة حملات ضده . أهو التقليد ؟ أم العادات؟ دون شك ، هناك أسباب أهم تبرر هذه الوقائع.

        للاستمتاع

         وهذا أمر يصادف أكثر مما قد نعتقد . عادة ما يكون الاستمتاع مكبوتا في بداية العمل ، ثم يبرز ويستقر خلال الانجاز. إذًا قد يكون البحث مصدرا لرضى عميق بسبب اكتشافات فكرية أو غنى شخصي أو تجربة مشاركة شيقة في العمل . الفضول الفكري هو أيضا مناسبة للاستمتاع العلمي ، وهذا أمر قليل ما يحكى به.

     لتحقيق تجربة عمل فكري معمق ومستقل

        إن تنفيذ البحث هو نشاط يسمح بتعلم الكثير من الأمور  نذكر منها :

-       الإحاطة بالمسألة

-       اكتشاف وتجميع الوثائق التي وضعت لها ،

-       ترتيب المواد،

-       إدارة تصور شخصي حول المسألة المختارة ،

-       أكثر الأحيان ، الاحتكاك المباشر مع الاختصاص والمؤسسات وحقول العمل،

-       تحليل المعلومات وتطبيق روح الانتقاد ،

-       التعبير بالكتابة (إذن الإعلام) عن نتائج دراسة كهذه..،

-       الإسهام في دفع العلم إلى الأمام،

وبما أن البحث يسمح بتنظيم أفكار الباحث وطرحها بشكل يفهمه الآخرون ، فهو دون شك مجال مثمر للتعلم والتمرين. من جهة أخرى وبمعزل عن الموضوع المعالَج ، هذه المعلومات والمهارات المكتسبة هي مفيدة جدا للحياة العملية.

 

شروط البحث

  إن للبحث شروطا متنوعة وعديدة لا بد من توفرها لكي يصح أن يطلق على العمل العلمي المقصود بالدراسة والتحليل ي يطلق عليه اسم " بحث " وإن تعددت الشروط فالمجال لا يسمح إلا بذكر أهمها؛ وهي كالتالي وجود مشكلة ومن ثم قابلية هذه المشكلة للمعالجة من قبل الباحث المعين ، وفي الوقت المعين، وللغاية المعينة ، أما بالنسبة للجدة فهو شرط بأن يتوفر ، ولكن ليس القصود بالجدة أن يأتي الباحث على بحث لم يسبق أن عولج تماما ، للكن الشرط هنا يكمن في وجود الإضافة الجديدة .

     1 -   وجود مشكلة

  لا يمكن بأية حال أن ينطلق الباحث في معالجة موضوع لا وجود له ، وبالتالي فلا بد من وجود مشكلة محددة من كل الجوانب ،ومميزة عن غيرها من المشاكل الأخرى والمواضيع الأخرى حتى لا يرتبك الباحث ويغرق ويضيع وقته في معرفة ماهية المشكلة والتي لا حدود لها أو قد تكون لا وجود لها.

     2 – القابلية

     قبل الانطلاق في البحث لا بد على الباحث أن يتعرف على المشكلة المقصودة بالمعالجة، إن كانت قابلة للبحة الدراسة ، إن هذه القابلية قد تكون شخصية بحيث أن المشكلة قد لا تسمح القوانين في البلد المعين ، وقد لا تتوفر الإمكانيات والوسائل الضروري لمعالجتها، وقد تتوفر هذه لغيرك ولا تتوفر لك ، بسبب مبادئك أو عقيدتك، أو أخلاقك ، أو جنسك، أو لغتك، أو مستواك التعليمي، أو تخصصك العلمي.

       لا بد من تتوفر المادة الأساسية التي تسمح بالمعالجة ، مثل توفر المصادر والمراجع، والتمكن منة الوصول إلى المعلومة الضرورة التي بها يستعين الباحث للتمكن من مادتها.

      وقد يوجد أن الموضوع المقصود بالمعالجة لا يقبل المعالجة بالطريقة المنهجية الفلانية كمثل ضرورة إدخال زوجين داخل مخبر لمعرفة أسباب تكاثر ظاهرة الطلاق في بلد معين دون غيره.

    3 -  الجِـــدَّة

    لا بد أن يكون البحث جديد وغير معالج من قبل ، وربما ينهي الباحث عمله من غير أن يعلم أن باحثا آخر في مؤسسة أخرى أو ربما في بلد آخر، قد عالجه وانتهى منه ووصل إلى نتيجة علمية معروفة ومنشورة في المراجع المختلفة من قبل ، وهنا لا بد من تعاون المؤسسات التعليمية الجامعية ، وأهمية تبادل البحوث أو على الأقل وجود فهرس بحوث لكل مؤسسة يوزع على كل المؤسسات الجامعية.

        ولكن ومهما اعتنى الأخصائيون بإصدار هذه الفهارس ، ومهما تعاونت المؤسسات الجامعية فيما بينها ، فإنه من الصعب جدا معرفة كل البحوث التي  عولجت على كثرة المؤسسات الجامعية في مشارق الأرض ومغاربها. ولكن إذا كان ينصح بالابتعاد عن المواضيع المطروقة من قبل ، فإنه لا بأس من أن يختار الباحث موضوعا عولج مسبقا لكنه يرى أنه يستطيع أن يأتي بشيء جديد لم يصل إليه تلك الدراسة السابقة، أو أن الدراسة السابقة لم تعد صالحة للفترة الزمنية الراهنة.

      4 -  الصلاحية

      ليست كل المواضيع جديرة بأن تعالج، فعلى الطالب الباحث أن يتساءل أمام الموضوع الذي قد يميل إلية بشكل تغلب عليه العاطفة، ويتساءل : هل الموضوع يستحق المعالجة ؟ عل فيه فائدة له ، أو لمجتمعه، أو للبشرية جمعاء؟ هل يساعد على إضافة ولو لبنة صغيرة لصرح المعرفة؟ وهنا ينصح الطلبة باختيار مواضيع صالحة  ونافعة ، المواضيع التي تختفي في الأدراج مباشرة  بعد الانتهاء منها ولا يُستفاد منها .

 

  شروط الباحث

       أن كان الباحث هو ذلك الذي يفتِّشُ عن حقيقة ما ، وطريق الحقيقة طويلة وشاقة وللتمكن من ولوجها والوصول بسلام إلى منتهاها لا بد من أن تتوفر فيه ولديه العديد  من الشروط النفسية والعلمية والأخلاقية والاجتماعية و التي  نفصلهخا في التالي:

     1 – الرغبة .

     إن الرغبة هي الشرط الأول والأساسي للنجاح في أي عمل أو أي مشروع  مهما كان نوعه، وخاصة العمل العلمي، ولا يمكن أن يُتصور أن عاملا يستطيع أن يبْرع في عمله وهو لا يرغب فيه. قد يفرض لسبب ما على باحث ان يقوم بعمل بحثي من غير أن تكون له الرغبة في القيام به، إلا أن ذلك الباحث سيشعر بالاضطهاد والسيطرة ويتقهقر في أول صعوبة تواجهه. وما أصدق المثل الانجليزي القائل: " تستطيع أن تأخذ الحصان إلى أي نبع تود الوصول إليه لكنك لا تستطيع أن تجبره على الشرب.والبحث الذي بدايته الضغط، أو أي سبب خارجي ( إرضاء للأستاذ، أو لنيل الشهادة الفلانية، أو للحصول على الدرجة العلمية المعينة )

     أما البحث الذي يقوم على دافع داخلي ، أساسه حب الحقيقة والتلذذ بالاكتشاف، فَيُؤْتي ثمارًا يانعة جيدةن وهكذا نرى أنه من أهم شروط قيام الباحث بالبحث هو رغبة الباحث في البحث المعين. أذكر قولا لأحد الأدباء الفرنسيين الذي يقول: " أُحب العامل الذي يغني وهو يعمل) j aime le travailleur qui chante en travaillant » .

    2 – الصبر

    إن الرغبة في البحث لوحدها غير كافية للقيام بعمل بحثي ناجح، فقد تكون الرغبة الظاهرة نزعة عابرة فيتقهقر الباحث ربما وهو لا يزال في بداية المشوار ، ولذلك لا بد من يجيء مع الرغبة مباشرة  الصبر والثبات أمام كل الصعوبات والمشاق . والصبر صفة حميدة عند المسلم فهو الذي يؤجر عليه المسلم من غير حساب من الخالق القدير ، والصبر سيمة النفوس الكبيرة التي تأبى العيش في الأسفل، فالصبور لا يبالي بالصعاب والمشاق . ومن صبر ظفر، وإن كان أول الصبر مرًا، فآخره حلو، لذلك على الباحث أن يصبر وهو يفتش عن المصادر والمواد اللازمة لبحثه  ( إِنَ اللّه مَعَ الصَّابِرِين)

   3 – المعرفة العلمية في المجال

     إن كان الصبر شرطا أساسيا للنجاح في إنجاز المشاريع العلمية ، فإنه لا يكفي للقيام بالحث ، إذ لا بد للباحث أن يكون له المستوى العلمي المطلوب في المجال العلمي المطلوب وبالكيفية المطلوبة . لا بد للباحث مستوى تعليمي كافيا من حيث التخصص ، ومن حيث اللغات التي تساعده على قراءة وفهم كل ما يتعلق ببحثه ، كما يحتاج الباحث إلى القدرة الكافية للنقد والتحليل ، ولا يتأتى ذلك إلا بالثقافة الواسعة والمعروفة الكافي لمجال البحث.

    4 – الشك العلمي

    الشك هو الطريق إلى اليقين ، وهو يقضي ألا يقبل الباحث كل ما يقدم إليه على أنه حقيقة مسلم بها. بل لا بد من تقليبه على وجوهه ، ووزنه بميزان دقيق من الاختبار والفطنة ، والذكاء. يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو : " الجاهل يتقبل كل شيء، والعاقل يتروى، والعلم يشك"وأن كان سوء الظن من حسن الفطن كما قالت العرب قديما ، فإن المبالغة في الشك تجعل الباحث سيء النية ، عدوانيا، يخالف المألوف، ويؤثم غيره دون حق. و{ إِنّ بَعْضَ الضَّنِ إِثْمٌ} الحجرات 12.

 
  Aujourd'hui sont déjà 2 visiteurs (4 hits) Ici!  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement