تقميش المشروع
التقميش
التقميش في اللغة هو جمع الشيء من هاهنا, وهو أصلا يطلق على جمع القماش لصناعة الثوب منه، وفي البحث العلمي, التقميش هو من مصطلحات البحث العلمي ومن مراحله الأساسية أيضا ، أعني مرحلة جمع القرائن والوثائق والمعلومات التي تعطي البحث مصداقيته ومشروعيته المعرفية ، وتجعل منه مرجعا مأمونا ومحترما يعتد به .
يقول علماء الرواية فيما مضى : ( إذا كتبت فَقَمِّشْ وإذا حدثت ففَتِّشْ) وهذه الجملة على اختصارها لها دلالة مهمة فالمقصود بالكتابة أنك إذا بدأت في الأخذ عن العلماء وأهل الاختصاص فكن كمن يصنع القماش فيجمع له الخيوط من هنا وهناك حتى يتشكل السجاد .
ولا يليق أن نخلط بين التَّقْميش و التَّقْبيش الذي هو صفة مذمومة .. فالتقبيش: صفة مذمومة أطلقتها العامة، على أفعال وأقوال الذين يقومون بأفعال لا يحسنون القيام بها، أو الذين يتحدثون ، ويكتبون عن أمور غير متأكدين منها إنما يملكون بعض المعلومات غير الدقيقة أو غير الصحيحة. ويتميز المُقبِّشون عادة بالجرأة على الحقائق، وبالاعتماد على خيالاتهم وأوهامهم للتعويض عن نقص معلوماتهم، فإن كتبوا عن حادثة سمعوا عنها بعض المعلومات قاموا بإعادة إنتاجها كما يحلو لهم وكما يتصورون ، حتى وإن أدى ذلك إلى كسر رقبة الحقيقة ..( أنا لا أتكلم عن المبدعين الذين يكتبون نصوصا فنية، فمن حق هؤلاء التصرف في الحادثة، لأن نصوصهم لن تتخذ مرجعا أو وثيقة ).. إنما أتكلم عن أناس يُعدُّون أنفسهم من الباحثين، وأسوأ هؤلاء من يتحدث عن أمور لا يعرفها إلا معرفة خارجية وسطحية، في حين أنها تحتاج إلى نمط آخر من المعرفة والمعايشة، فتأتي أحاديثهم وكتاباتهم تقبيشا بتقبيش، ومع ذلك يدَّعون المعرفة والإطلاع، وإن صنعهم هذا يضلل ويؤدي إلى اللبس بالنسبة للطلبة الجدد. ويسبب التشويش ، ويضلل غير المطلعين ، ويشوه ذاكرات الناس، ويقدم لهم معلومات خاطئة أو غير دقيقة، في غلاف، يوهم أن بداخله علما ومعرفة.
لا يلام العامي الذي هو بعيد عن الميدان، ولا يلام الغير المختص، إن كان في كلامه شيء من التقبيش .. إنما يلام نمط من الكتبة، الذين لا تزيد كتاباتهم عن التقبيش، ثم لا يتورعون عن تقديم أنفسهم بوصفهم علماء ومفكرين وباحثين، دون أن يحتاطوا بالمناهج العلمية، المعدة لتحصيل المعرفة وهم يفتقدون إلى الخبرة اللازمة... وكل ما يملكه هؤلاء، رغبتهم في الشهرة، وجرأتهم على الحقيقة ، إلى جانب قلم سيال ( أو متعثر ) يكتب عما يعرفون، وعما لا يعرفون, وأخطر ما في الأمر، أن يتخذ بعضهم من كتابات هؤلاء مرجعا وحجة ومصدرا للمعلومات.
إن أول خطوة بعد الانتهاء من مرحلة التقميش المسبق , أي بعد أن يتعرف ويطلع الباحث عن أماكن، وعن أنواع، وأحجام، المادة العلمية الضرورية و اللازمة , من الفهارس وفهارس الفهارس, والمطبوعات والكتب, وبعد أن يكون قد اتصل واستشارت أهل الاختصاص, واطلع على كل ما جد عن محور مشروعه البحثي، من خلال تصفحه للدوريات، وخاصة المتخصصة منها، واكتشفت فهارسها, وفهارس المكتبات الغير منشورة، وخاصة التحليلية منها، التي رتبت حسب المواضيع. كما على الطالب الباحث أن يطلع على فهارس البحوث التي لم تنشر بعد, من مذكرات التخرج، ومذكرات الماستر أو الماجستير، المذكرات التي نوقشت، سواء بالمؤسسة الجامعية التي ينتمي إليها الطالب الباحث، أو بالمؤسسات الجامعية الأخرى الوطنية منها أو الأجنبية.
ثم بعد الانتهاء من معرفة أماكن هذه المصادر والمراجع، والتي تم التعرف عليها، يشرع الباحث في تجميع هذه المعلومات وتدوينها .
تؤدي بنا هذه المرحلة إلى إنشاء ملف أو أكثر من ملف , ولو بشكل خام عن المشروع، والذي بلا أدنى شك، أنه سيستغله في مرحلة لاحقة.
تعد وتجمع هذه المعطيات، خاصة في العلوم الإنسانية معتمدين على أسلوبين اثنين:
الأسلوب الأول:
نهتم بالمعطيات التي نجمعها عن طريق التحري الميداني، بحيث لا بد من النزول إلى الميدان والقيام بتحريات بشتى أنواع التحريات.
الأسلوب الثاني:
يتعلق الأمر هنا بالمعطيات التي تنسب إلى الفئة التي لم تنشر بعد، ولعلها من المعطيات التي لم يطلع عليها أحد، وكذلك المعطيات الأرشيفية والتي يعتمد تجميعها على كل ما يمكن أن نسميه مستحدث.
لكن قبل أن نشرع في هذا أو ذاك الأسلوب، أو هذه أو تلك، علينا أن نتعرف أولا وقبل كل شيء عن المعطيات التي سبق وأن استُغِلَّتْ من قبل.
والشيء الذي نبحث عنه، يقاس انطلاقا مما توصلت إليه البحوث السابقة، وانطلاقا من النتائج التي تحققت من خلال تلك البحوث, والتي تكون قد سبق وأن دُوِّنت نتائجها في وثائق قائمة. وقبل أن نبدأ في تجميع المعطيات، لا بد أن نحقق في هذه النتائج , علينا أن نقوم بجرد مسبق لهذه النتائج.
وإن عملية التحقيق، هي بمثابة العملية التجريدية التي تؤدي بنا حتما إلى إقامة البطاقية البحثية العلمية اللازمة. والتي على أساسها ننطلق في الأوزان الأربعة لهذه المرحلة التقميشية.
الأوزان الأربعة لمرحلة التقميش.
- I - الوزن الأول : من البطاقية إلى الخطة العملية النموذجية.
II - الوزن الثاني : تجميع المعطيات القائمة
- - III الوزن الثالث : تجميع المعطيات الميدانية.
- IV -الوزن الرابع : تجميع المعطيات المستحدثة .
I الوزن الأول: من البطاقية إلى الخطة العملية النموذجية
إننا في هذه المرحلة نقوم بإنجاز بطاقية عملية، وإقامة مخطط عملي نموذجي يختلف عن المخطط الأول، الذي حددنا فيه المراحل التي نقطعها لإقامة البحث بشكل كلي، والتي أطلقنا عليها الرزنامة. إن هذا المخطط يجيء لكي يجسد ويصور النواحي الرئيسة من البحث، إن هذا المخطط يحتوي على تحديد للمهام إن صح التعبير، المهام التي علينا أن نقوم بها لكتابة كل فصل من فصول البحث، بل كل فقرة من الفقرات التي يتكون منها المشروع .
سنحاول في هذا الوزن، أن نأتي على النقاط الأربعة التالية ؛ نبدأ بالتعرف على الطرق والكيفيات التي يعتمدها الباحث في إنجاز بطاقيته، ونتعرف على ضوابط الاقتباس، والذي يطلق عليها أيضا ضوابط الإستاد. ثم نتطرق إلى الكيفية التي لا بد على الطالب أن يتعامل بها مع الوثائق التي سبق نشرها وخطورتها بالنسبة للباحث المبتدئ ،ثم نرجع مرة ثانية إلى استشارة أهل الاختصاص كاستشارات إضافية ونختم الوزن بكيفية تحرير الخطة العملية النموذجي.
1 ) إنجاز البطاقية وضوابط الاقتباس:
الاقتباس هو أن نأتي بآراء الآخرين للعديد من الاستعمالات ؛ إما لمناقشتها و إما لتعزيز ما نقول وما نقدم , وإما لنقل خبر مهم , أو للاستشهاد بما هو حجة في ميدانه...ومن ذلك فلا بد قبل أن يصل الطالب إلى مرحلة التحرير، أن يهيئ لذلك عن طريق إقامة بطاقية بحثية, وإن إنجاز البطاقات يخضع إلى بعض القواعد سنراها فيما يلي:
توجد عدة ضوابط، وقواعد لإقامة البطاقات: ومنها تلك التي قد تحدثنا عنها من قبل، واليونسكو لم يبخل على إقامة نموذج موزع عالميا.
عندما يتعرف الباحث، ويطلع على الأفكار والآراء التي تهمه وبعد أن يكون قد قرأها قراءة متأنية، ومفصلة فهو يدون منها ما يراه مناسبا. ولتدوين هذه المعلومات نظامان :
أ – نظام البطاقة (الجُزاَزة)
البطاقة بالفرنسية " la fiche " سنتعرف على هذه البطاقة ( الجزازة)، من جانبين اثنين : الجانب الشكلي، والجانب العملي ؛ أما من الناحية الشكلية فهي عبارة عن مجموعة من الأوراق السميكة من وزن 150 إلى 200 غرام ، والمتساوية الحجم و وهي عادة تكون ذات مقاييس موحدة. وهذه نسميها الجزازة. أو أوراق عادية من وزن 80 غرام
1 مقياس متوسط 12.50 أو 13 x 21 سم
2 مقياس كبير 21 x 30 أو 31 سم
تباع عادة هذه البطاقات عند القرطاسيين , كما يستطيع الطالب أن يعدها لوحده، وذلك بمخلفات أغلفة الكراريس، أو بمخلفات الحافظات الكبيرة أو يشتري من ألقرطاسي أوراق سميكة بيضاء، أو يختار اللون الذي يريد، وتكون من الوزن المشار إليه آنفا, ويقسمها على مزاجه محاولا أن تقترب على الأقل من الأحجام التي أشرنا إليها.
ولكي يُحْسن استخدامها، يجب على الطالب الباحث الالتزام بالإرشادات التالية:
1 .. الالتزام في استخدام بطاقات من حجم واحد ومن لون واحد. ومن هنا فعلى الباحث ان يجرب كل الأحجام لكي يهتدي في نهاية المطاف إلى حجم واحد يكون الذي يبقى عليه أبدا.
2 .. إذا كثرت المعلومات وزادت عن قدرة بطاقة واحدة (الجزازة) يعدد الطالب البطاقات باستعمال ورقة (جزازة) ثانية وثالثة إلى ما لا نهاية . ونضعها متتالية مع تكرار نفس عنوان الفكرة. وترقيم الجزازة في الجانب العلوي الأيسر بقلم الرصاص, وذلك لكي نتمكن من إضافة العدد الذي نريده، ونغير الرقم في كل مرة، من غير أي ضرر نلحقه بالبطاقة. ونشير إلى وجود تعدد للجزازات عند آخر كلمة من الصفحة بخط مائل.
3 إذا تعددت المصادر لفكرة واحدة نجعل لكل مصدر بطاقة ونضعها متتالية, ونكرر العنوان , عنوان الفكرة, مع الترقيم كما أشرنا في الرقم السابق..
4 .. لا نكتب أكثر من فكرة واحدة في الزجاجة الواحدة, ونؤكد أن المقصود من الزجاجة الواحدة العنوان الذي خصصناه للفكرة, حيث كما رأينا في الرقم 2 , و, رقم 3، أنه قد نستخدم أكثر من صفحة لنفس الفكرة أي لنفس العنوان.
5 .. يحاول الباحث أن يتأنى في الكتابة ,ويكتب بخط واضح يسهل قراءته من الجميع, وإن أمكن كتب باللون الأسود كي يسهل عملية التصوير عندما يتطلب الأمر ذلك. وإن شاء كتب العنوان بقلم الرصاص لكي تسهل عليه عملية تغيير العنوان بسهولة إن تطلب الأمر ذلك أيضا.
6 .. على الباحث إلا يقتصد في اختصار ما ينقله , فيحاول أن ينقل المعلومة كاملة, لأن العودة مرة ثانية للمرجع قد تكون غير سهلة أو غير ممكنة, خاصة وقتما يكون في مرحلة حرجة ليست مرحلة تجميع المعطيات، ومن هنا فالثغرة قد تكون متعبة. اللهم إن كان المرجع الذي يحوي المعلومة ملكا للباحث.
7 .. يشير الباحث على الزاوية اليمنى من أعلى صفحة الصفحة ، المكان الذي تعنيه، أي الذي أنجزت من أجله هذه البطاقة، فنكتب بحروف مختصرة , القسم و/ أو الفصل و/ أو الباب و/أو المبحث المعني بهذه المعلومة؛(ق.I, ف .3 , ب. 5, م.1 ,) ونشير في المخطط الذي بحوزتنا "أن هذا المبحث من القسم الفلاني, ومن الباب , أو الفصل الفلاني قد أنجز مثلا...
محاسن وعيوب الجُزازة :
المحاسن:
1 .. فهي أكثر من غيرها دقة ووضوحا، ولا أنصح إلا بها لأنها الأيسر في التنسيق.
2 .. وهي أنفع لدى استعمال المعلومات ، وهي أطول مدة استعمال لسمك ورقها.
3 .. وهي أجدى في إمكان الاستفادة منها في مجالات أخرى عند الضرورة ,
4 .. كما أنها بفردها أخف وأسهل حملا , وأسهل استخداما عند التقديم، أو التأخير، أو التعديل, أو الإضافة, خاصة إذا أُحْسِن استعمالها، وهي اليوم الرفيق الدائم للأساتذة الباحثين.
العيوب
1 .. من بين العيوب التي تلحظ على الجزازات هي أنها قد تتلف بعض البطاقات كونها غير ملتصقة, خاصة إذا تعودنا أخذ إحداها معنا خارج المعمل.
2 ..من جهة أخرى، فإنه يصعب على الباحث أن يتجول بصندوقه في المكتبات وهو يجمع المعطيات (المقصود من الصندوق العلبة التي تجمع فيها البطاقات, والتي تُشترى، أو يصنعها الباحث بنفسه)
ب نظام البطاقة (الملف):
مثل ما فعلنا مع الجزازة نحاول أن نأتي على هذه ( الملف) من الناحية الشكلية، ونترك الجانب العملي للمرحلة القادمة لأنها تشترك مع الجزازة في أغلب الأمور: . إن الملف أو(أو الإضبارة ) أو الدوسيه (le dossier) والملف هو عبارة عن حافظة من الورق القوى بوزن 220 إلى 250 غرام. وبداخله قابضتان أو ماسكتان يتم فتحهما وغلقهما بالضغط على طرفيهما. وتثبت داخل هذه بهما مجموعة من الأوراق المثقوبة، من الأصل، أو يتم ثقبهما من قبل الباحث بثاقبة تكون بمتناوله, أما هذه الأوراق فهي من الحجم العادي 21x 30 أو 31, زمن الوزن العادي 80 غرام.
محاسن وعيوب الملف:
المحاسن
1 .. توزع المادة داخل الملف دفعة واحدة , عوض أن تجمع على بطاقات منفردة.
2 .. إن الملف يحفظ ما به من أوراق متماسكة ولا يسهل ضياعها.
3 .. أن عملية المراجعة للزيادة وللنقصان تتم بسهولة ومن غير أن نضطر إلي إضافة أشياء جديدة.
4 .. يَسْهُل على الباحث نقل ملفه معه من غير إشكال ومن غير تعب . فيحمله إما داخل محفظته وإما بمفرده, ولا يشكل أية عائق.
العيوب
1 .. من عيوب الملف هو أن الكاتب لا يستطيع الكتابة إلا على صفحة واحدة.
2 .. لرقة الورق المستعمل فإن أطراف الورق أي الزوايا سهل التمزق، وكذلك ، أن هذه الثقاب سهلة التمزق أيضا.
3 .. أن عملية التوسع في الملف ليست مريحة وقد تكون غير ممكنة,
4 .. عملية المراجعة في الملف ليست سهلة وليست مريحة ، لأن الباحث يضطر إلى تصفح عدد من الأوراق لكي يعثر على ما يريد.
الجانب العملي للبطاقة
أما الجانب العملي للبطاقة سواء كانت جزازة أو ملف. بادي بدي على الباحث أن يقسم أوراق بطاقاته, سواء جُزازة أو أوراق الملف، وفق خطة بحثه, فيخصص لكل جزء من هذه الخطة : ( المقدمة -- الأقسام ، أو الأبواب ، أو الفصول ,أو الخاتمة) لكل من هذه جزءا من البطاقات ويمكنه استخدام أُذَيْنات تباع عند القرطاسيين أو يُعِدها الطالب بنفسه، لكي يفرق بين هذه التقسيمات ويكتب على وجه هذه الأُذَيْنات عنوان القسم و/أو الفصل و/ أو المبحث و/أو الباب . الخ...وذلك لكي يتمكن من متابعة عمله بكيفية جد مريحة.
وعند قراءة المعلومة المراد تجميعها , يختار الباحث العنوان الذي يراه هو مناسبا للفكرة المقصودة, فيضع هذا العنوان أعلى البطاقة في الوسط.
ثم يسجل الفكرة بمختلف كيفيات التسجيل اختصارا، أو نقلا حرفيا أو ما احتوت عليه الفكرة من معان، ونشير في التالي إلى مختلف الطرق المعتمدة لنقل المعلومة من إعادة الصياغة, والتلخيص, والاختصار, والشرح والتحليل والتعليق والجمع بين 3,و4, و 5 , والخطوط العريضة:
تتنوع طرق نقل المعلومة حسب الهدف , وحسب الأهمية , وحسب المناسبة. يجد الباحث نفسه أحيانا مضطرا إلى نقل النص بكامله, وأحيانا أخرى يكتفي باختصاره,أو إعادة صياغته وها هي الأنواع:
1 .. نقل النص كاملا
أ – القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.
ب – إن كانت لتعبيرات المؤلف أهمية بالغة.
ج – تعبيرات المؤلف تؤدي الغرض بوضوح, خاض إذا كان الموضوع حساسا.
د – في حالة الاعتراض فلا بد من نقل النص كاملا, وفي هذه الحالة لابد من نقل النص بعباراته، مع الاحتفاظ بعلاماته الإملائية, وحتى في أخطائه, وبإمكان الباحث تدارك ذلك الخطأ ووضعه بين قوسين مربعين {} ويدون بين قوسين عبارة {هكذا}.
وفي حالة اقتباس جزء من النص, لا بد من أن نتأكد من أن هذا الجزء لا يؤدي إلى تغيير المعنى أو إلى تشويه فصد المؤلف, وهنا لا بد من وضع الفقرة بين أقواس حتى لا يتهم الباحث بالسرقة.
2 .. إعادة الصياغة
يلجا إليها إدا كان التعبير ضعيف أو معقد , فيعاد صياغته بتعبير أقوى وهذه لا يبرر إلا في حالات شاذة. ويتم ذلك بأن يقرأ الباحث النص قراءة متمعنة , ثم يعيد الصياغة بعبارات الباحث وبأسلوبه من غير أن ينسى الإشارة إلى ذلك مهما يكن بليغا ومهما يكن ماهرا. فالأمانة العلمية تفرض ذلك.
3 .. التلخيص
يلجأ الباحث أحيانا إلى تلخيص موضوع بأكمله، أو فكرة بأكملها, تصاغ هذه الفكرة أو هذا الموضوع صياغة كاملة بأسلوب الباحث وبالمفردات التي يختارها,على أن يُحتفظ بالفكرة التي جاء بها وأرادها المؤلف.
4 .. الاختصار
يقصد بالاختصار أخذ أوساط الكلام, وترك شُعبه, وهنا يقلص الباحث عبارات النص إلى ثُلُثِه أو رُبْعِه, مع الاحتفاظ بأسلوب المؤلف, ووجهة نظره, ومحاولة استعمال عباراته, وكلما تفعله هو حذف التوضيحات والتفاصيل والشروحات، وكل شيء يمكن الاستغناء عنه.
وفي التلخيص والاختصار لا بد من فهم النص المقصود بهما فهما دقيقا.
وفي الطريقة الثانية والثالثة والرابعة , لا بد من الاشارة بعبارة (راجع) أو (أنظر)
ثم تدون في الجهة السفلى بعد أن نسجل طلب على الهامش برقم أو بنجمة. وفي الهامش السفلي يُدون اسم المِلف, ثم لقبه, ثم عنوان المرجع, ثم مكان النشر, ثم الناشر, ثم الصفحة.
5 .. ألشرح والتحليل والتعليق:
هناك نصوص وعبارات تحتاج إلى شرح وتحليل وتفسير لصعوبة معانيها ,وأحيانا, يكتشف فكرة أو أكثر من فكرة عند قراءة النص, فيدون ذلك النص أي تلك الفكرة في بطاقته ولا بد من شرح وتحليل وتوضيح لهذه الفكرة أو هذه الأفكار.
نؤكد أن الفكرة او المص يسجل في النصف العلوي من البطاقة , أما الشرح والتحليل والنقاش والتعليق على هذه الفكرة يكون في القسم السفلي من البطاقة.
6 .. الجمع بين التلخيص والاختصار والشرح
هنا يجمع الباحث بين التلخيص والاختصار والشرح, مع مراعاة الشروط المذكور سابقا وفي كل طريقة.
7 .. الخطوط العريضة
أحيانا يجد الباحث مضطرا على إجمال مضمون كتاب أو رسالة أو نص فيضعها في عناوين رئيسية بقصْد تعريف القارئ عليها . عندما لا تستحق ذكر التفاصيل أو أن المكان غير ملائم.
في كل هذه الأنواع ومع كل هذا الحالات, لا بد من الإشارة إلى المرجع, وتوثيق المعلومات توثيقا علميا كما سبق وأن شرحنا.
2) تكشف الوثائق المنشورة
عندما تكون قد اعتمدت النصائح التي أشرنا إليها عند اختيار مشروع بحثنا، وخاصة تلك المتعلقة باختيار العنوان، فيستطيع الباحث انطلاقا من عنوانه ؛ وكل مفردة مكونة لعنوان مشروعه ، وأي لفظة وضعتها للعنوان يعتمد عليها الباحث اعتمادا كليا للانطلاق في عملية التحري، ومنها المنطلق, من أحل تجميع المعطيات, ومنها إنجاز تلك البطاقات وهلم جرا.
وإن كان اهتمام الطالب بهذه العملية يدفعه إلى الجري وراء الأماكن التي تتواجد فيها هذه المراجع والمصادر, سواء بالمكتبة الجامعية، أو المكتبة الوطنية, أو مراكز بحث حكومية , أو معاهد دراسات أو عند بعض الأصدقاء فغن على الباحث أن يتكشفها تكشفا معمقا.
يتكشف الباحث هذه المراجع لا لشيء سوى لأنها منشورة. لآن المعطيات المنشورة تكون أخطر بالنسبة لمصداقية الباحث و لآن المعطيات الغير منشورة فهي ستكون بلا شك من صنعه من إنتاجه وسنوضح ذلك في حينه.
لا بد من تَكَشُّفِ هذه تَكَشُّفًا حقيقيا ومعمقا, ولا يكتفي الباحث بالقراءات السطحية، بل لا بد من الرجوع إلى ما يمكن أن يقرأ من وراء الأسطر، و التعرف على اتجاهات المؤلف, وميولاته, وتكويناته, واهتماماته, وثقافته, وجنسيته, وديانته, لا بد من تحليل طريقة التهميش التي اعتمدها، ولا بد من مراجعة قائمة المراجع التي رجع اعتمدها, كما لا بد من التحقق من الأسماء التي أشار إليها , كما لا بد أيضا من النظر إلى تعليقاته, وطريقة مناقشته للأفكار التي ينتقدها، أو تلك التي يؤيدها أو التي يعود إليها أكثر من مرة.
لا يُصدق الباحث كل كلام نُشر وكُتب , إن كلام أي كاتب ما هو إلا قول بشر، فالإنسان معرض للخطأ، ( وكلنا خطاءون) وقد يُتَعَمَّدُ الخطأ, والمرء يدري أنه أخطأ , وقد يخطئ وهو لا يدري أنه أخطأ , أو أنه بالغ، أو أنه أهمل عنصرا مهما وهو يدري وقد لا يدري ,
إن القاعدة السليمة التي على الباحث أن تكون ملازمة له، وهو يتصفح النصوص المنشورة, أن هؤلاء الكتاب بشر, وبما أن: الخطأ, والسهو, والغش , والنسيان , والتناسي , والتزوير , والمبالغة كل ذلك من خصائص أو من أنتاج البشر, فمهما علا شأن هذا المؤلف، يبقى أنه إنسان.
3) التنقيبات والاستشارات الإضافية.
إن التنقيبات أو الفحوصات أو الاستشارات الإضافية ،سبق وأن تحدثنا بشيء من هذا عندما كنا بمرحلة التقميش المسبق, عند معالجتنا للمسلك الثالث وهو مسلك المتخصصين , لكننا هنا وبلا شك نحن قد قضينا شوطا معتبرا من العمل العلمي البحثي في مجال التنقيب والتوثيق ولا بأس أن أستعمل عبارة (التوثيق) التي هي شائعة في الوسط الجامعي أكثر من عبرة التقميش,وبالتالي فلا بد من أن يكون موقفنا أعمق, وأكثر اطلاعا وأدق تحليلا.
قد نحتاج إلى العودة والرجوع إلى هؤلاء المتخصصين، لكي نقوم معهم بفحوصات إضافية, ليست سطحية أو هامشية , لكنها فحوصات مصيرية, لأنها تدفعنا إلى عمق الموضوع الذي قد تكون غير قادرين على مواصلة العمل ، أو قد نكون قد تورطنا في قضية لا نستطيع الخلاص منها إلا بالرجوع إلى أهل الاختصاص.
نأتي بمثال على ذلك. قد يكتشف الطالب بعد مرور الثُلثين من وقت بحثه, وهو يتأهب على مرحلة التحرير, الثلث الثالث, وفجأة يكتشف أن هناك طلبة من نفس الجامعة, من لهم نفس المشروع, وبنفس العنوان, وبنفس الأهداف, وبنفس الغاية. إن هذا فعلا أمر مروع، ولا يستطيع الطالب الباحث أن يخرج من هذا المأزق إلا بالعودة إلى من لهم تجربة، وخاصة الأساتذة المتمرنين على التأطير.
عندما نجد أنفسنا في حاجة إلى العودة إلى استشارات إضافية فلا ينسى الطالب أن يراعي التوصيات الثلاثة التي ذكرناها في المسلك المعني.
4) تحرير الخطة العملية النموذجية
تختم هذه النقطة أول زمن من الأزمنة الأربعة من تقميش المشروع, بعد أن يكون الباحث قد أقام بطاقية موفقة , ويكون قد مر بعدة مراحل تقميشية و لا بد من يطرح عدة أسئلة على نفسه وأول سؤال يتبادر للذهن هو : ما هو أول مخطط علي أن أعتمده اليوم لأنطلق؟
وقبل الإجابة على السؤال لا بد أن ندرك أن هذا المخطط سيلعب دور السِّقالة(1) التي يعتمد عليها المعماري كي يجسد بناياته. إن مهمة هذه السقالة هي معاونة البناء في تشييد بنايته، وكلما انتهى من إنجاز قسم علوي من البناية استغنى عن هذه السقالة تدريجيا ، يساعد كذلك هذا المخطط الباحث على إنجاز بحثه وكلما تقدم في الانجاز كلما استغنى عن هذا المخطط.
1 .. علي أن أفكر في توزيع الفصول, والمباحث, والمواضيع ,وكذلك ، كيف تكون المقدمة؟ وكيف ستكون الخاتمة العامة؟ كم صفحة يتحمل الفصل الأول ؟ وكيف سيكون الفصل الثالث وكذلك الرابع؟
2 .. ثم أطرح السؤال الموالي الثاني: ما هي العمليات التي استحقها لذلك؟ما هي أهمية هذه العمليات؟ تقسم التقسيمات على أية رزنامة؟وما هي الإمكانيات المتبقية ؟ وما هي الوسائل التي أحتاجها لموصلة المهمة.
بعد إيجاد الأجوبة المناسبة لهذه التساؤلات وعندما أتمكن من الرد عليها, عن الإجابة عليها تعتبر بمثابة الخط الفاصل الذي منه انطلق : أنطلق وأنا على دراية وأنا أعلم مع من أنطلق , وما هي القوة التي تصاحبني لذلك, وما هي الطاقة التي بجيبي وهي تصاحبني كعقد ذهبي عقدته مع نفسي.
إن هذه النقطة الرابعة من الوزن الأول تعد ركيزة بالغة بالنسبة لمرحلة التقميش لكنها تعد خطوة من بين الخطوات الثلاثة المتبقية , وسنرى في الوزن الموالي كيف نتعامل مع المعطيات القائمة والتي سنعالجها في الزن ألقادم.
__________________________________________
(1) السقالة هي مجموعة من الألواح الخشبية أو الحديدية ،توضع بشكل معين ، يستعين بها العمال للصعود إلى مرتفع البناية لانجاز أشغالهم.
II الوزن الثاني : تجميع المعطيات القائمة.
يتكون الوزن الثاني هذا من أربع نقاط ، أولها نتعرف على تقنيات التجميع, والنقطة الثانية نرى شبكي الرموز أو المفردات الدالة، أو الكلمات الدالة, ومن أين لنا بها وها هي أهميتها ,ثم كيف نضع القرينة المماثلة في إطار المنظور الثقافي أو المحيط المعرفي, وأخيرا نختم الوزن بكيفية تسجيل المشروع في إطار البحث الجماعي.
1 .. تقنيات التجميع.
نحن الآن في مرحلة تجميع المعطيات كما هو معلوم , والسؤال الذي يطرح نفسه, هو أن الطالب أنجز العديد من البطاقات, بطاقات العمل , إن فضلنا أن نسميها كذلك تواضعا، حتى لا نسميها بطاقات بحث, وهي في الحقيقة كذلك , لكن ذلك قد يجعلنا نغتر, ونعتقد أننا خلاص أصبحنا من القوم الباحثين , ونحن لا زلنا في الشوط الأول ولم نكتسب بعد الخبرة الكافية , قد يصل عددها إلى الألف أو يزيد. وما هو العمل الآن للاستفادة من هذه البطاقات.
والسؤال المطروح هو كيف العمل كيف نكتب, كيف نجمع المعطيات,لا توجد طريقة واحدة يلتزم بها كل الناس, ولا يوجد من يستطيع أن يملي قاعدة تصلح لكل الناس, فهناك من يقرأ الكثير الكثير, ولكنه ينسى كل ما يقرأه بعد مدة، وبالتالي وخوفا من هذا النسيان يلجأ إلى تسجيل ونقل كل ما يقرأه من غير استثناء. وأحيانا من غير أن يستفيد مما يقرأ. وكما يحكى على كارل ماركس زعيم المذهب المادي التاريخي المركسي, كان يقضي طول ايامه داخل المكتبة الملكية البريطانية، يسجل كل شيء يقرأه لعله لا يثق في ذاكرته، أو لعله يتعمد ذلك لكيلا يزيد أو ينقص مما اطلع عليه، أو لأن تعود ذلك ولا يستطيع التغيير.
وهناك من يملك ذاكرة رائعة, ولا يسجل شيئا, فهو يعتمد على ذاكرة جبارة منحها له الخالق الرازق, فهو يقرأ المرة أو المرتين , ثم يطوي السجل , ويكون قد رسخ في ذاكرته كل شيء.
ويحكى عن العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي عليه رحمة الله, أنه كان يمتلك ذاكرة قوية ، حيث كان يقرأ الكتاب مرة واحدة فيرسخ في ذاكرته, وكان يستمع المرة الواحدة لقصيدة شعر فيحفظه حفظا كاملا.
إن الفائدة من هذه الأمثلة، إن على كل طالب أن يجرب نفسه, ولا يليق أن يبالغ ولا في التسجيل ولا في الاعتماد على ذاكرته, فقد تخونه ذاكرته, ويندم ندما لا ينفعه عند الحاجة.
أنصح الطالب الباحث أن يجرب الأسلوب الذي جربته شخصيا مع طلبتي، وأعطى نتائج معتبرة, وهو أن يستفيد من عدة حواسه في آن واحد, فيجتمع طالبان أو أكثر على قراءة فقرة، من الفكرة المقصودة من الكتاب المعين، يبدأ الأول فيقرأ الفقرة, والبقية تستمع, ثم يقرأ الثاني والبقية تستمع, ويقرأ الثالث والبقية تستمع, ثم يُطوى الكتاب ويمنح للجميع مهلة لِتَلْخيص ما يكون قد اُسْتُوْعِب, ثم يقرأ كل واحد تلخيصه, وبعد الانتهاء يتفق الجميع على خلاصة واحدة , بعد الأخذ والرد للآراء.
2.. شبكية الرموز أو الكلمات الدالة أو المفردات الدالة.
إن الكلمات الدالة التي نُنتجها نحن تكون لنا بمثابة الموجه, أو الدليل, الذي يوجه الطالب إلى المضي في عملية البحث, ونحن نأتي بهذه الكلمات الدالة من عنوان البحث الذي نحن بصدد إنجازه. لكن هناك كلمات دالة داخلية وكلمات دالة خارجية، أي بمعنى أن الذي سنقوم به نحن من خلال بحثنا الحالي والكلمات الدالة التي نتجت عن هذا المنتج الذي ننتجه نحن, نعتبرها "كلمات دالة" داخلية.
ومهما يكن حاولوا أن تنجزوا كلمات رمز، وارسموا بذلك محيط موضوعكم , فإن تحصلتم على عشرة كلمات رمز 10 فيكون محيط عملكم يرتكز على هذه , وقد تعتمدون عليها في تقسيم عملكم إلى عشرة فصول, ومن هنا تتوسعوا في البحث على كلمات رمز من إنجاز غيركم لكي تكملوا العملية البحثية.
3.. وضع القرينة المماثلة في إطار المنظور الثقافي
تسمح هذه النقطة للطالب الباحث لكي يفرق بين عمله وعمل غيره، فيقف على القرينة المناسبة بين ما يريد أن يقوم به هو كطالب باحث داخل المحيط الداخلي، كما رأيناه تقريبا في النقطة الماضية المتعلقة بشبكية الرموز, من جهة وبين ما هو خارجي، أي ما هو قائم ومنجز من قَبْل من قِبَلِ من سبقه في هذا المنظور الثقافي، من طرف باحثين أنهوا بحوثهم قبله.
ليس من مهمة الباحث أن يعلق ويناقش وينتقد الأعمال التي سبقه إليها من سبق, من غير أن يدلي بدلوه ويأتي بالجديد, إن العمل العلمي هو مواصلة الأعمال العلمية التي تمت وأنجزت, مع الإتيان بالجديد لكن في نفس المنظور المعرفي ونفس المنظور المعرفي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فهرس الأعلام هو الفهرس الذي يسجل فيه المؤلف أسماء الأعلام, والعلم هو الاسم الذي يعين مُسماه تعيينا مطلقا دون الحاجة إلى قرينة.
4.. تسجيل المشروع في إطار البحث الجماعي.
مهما يكن من أمر فإن الأجدر بالباحث أن لا يشتغل منطويا على نفسه ومنعزلا عن كل النشاطات والأعمال الفكرية , ولا يوجد في الدنيا من أقام صرحا من المعرفة وهو بمعزل عن الأعمال العلمية الأخرى.
إن أي بحث مهما بلغ صاحبه من قدرة وخبرة واطلاع وتجربة، فهو يستحق أن يكون ناطقا ومتكلما وله صوت وعلى الرغم من ذاك فهو لا بد : أن يقبل أن يناقش، ويقبل أن تقدم له الانتقادات، ويمكن الباحثين اللاحقين من أن يكملوا أعمال من سبقهم، أو أن يرفضوها تماما أو أن يدخلوا عليها التغييرات ومن لا يتقبل هذه الشروط، أو أقول هذه القواعد، فهو يخرج من المحيط الذي يوصف بالعلمية، ويدخل في محيط غير علمي قد يكون أدبا أو فنا ، أو شعرا أو أي شيء ما عدا العلم.
إن من خصوصيات البحوث العلمية أن تكون لها قابلية الحركة الدائمة ، من الأخذ والعطاء بشكل غير منقطع، ويتم كل ذلك من الجميع من غير توقف عند جنس أو بلد أو لغة ، أو رقعة جغرافية معينة، أو اتجاها ثقافيا أو إيديولوجيا، فالجميع له الحق من غير استثناء.
إن عملية تجميع المعطيات القائمة هذه تحتاج إلى مواصلة المشوار وذلك بالشروع في تجميع لمعطيات لم يتم جمعها بعد ولم تنشر بعد.
III الوزن الثالث: تجميع المعطيات الميدانية
لنا في البحوث الاجتماعية على العموم أسلوبان كبيران كي نتعدى التجميع للمعطيات القائمة: من جهة، لنا تجميع المعطيات الميدانية , التجميع الذي يتحقق عن طريق التحريات, ومن جهة أخرى : لنا تجميع المعطيات النادرة أو المعطيات التي لم تكتشف بعد، التجميع الذي يتحقق عن طريق الباحث أو / و التحاليل الوثائقية.
إن لكل أسلوب من الأسلوبين منهجيته الخاصة به والتي نجد تفاصيلها في المراجع المخصصة لذلك. كما قد نجد أن هناك مجموعات عمل تركز اهتماماتها للقيام بهذه العملية, ولا بأس من الانخراط في هذه التجمعات إن سنحت الفرصة لذلك.
سنحاول التركيز على نقطة مهمة وهي تلك التي تتعلق ببعض المعطيات المنهجية العامة والتي تعود إلى أدبيات أو خِلاقة هذه المحاولات.
1 .. خِــــلاقة التحـــــري
تدخل كل التحريات في إطـــار هذا الشكل المُعَيَني مثل ما هو مرسوم
الرسم
فإن في هذا الرسم الموجود نرى أن الذي يمثله الحرف " ب " هو الباحث, وبما أن الباحث من المفروض أنه حلل شخصيته، وتأكد من اهتماماته، وقدراته، وما هو قادر على فعلهن وما هو ليس من مدار كفاءاتهن الفكرية والمعرفية، وبعد ذلك لا بد من أن تُطْرح الأسئلة التالية المتعلِّقة بالأطراف الأخرى المتبقية: على من ؟ ولمن؟ ومع من؟
على من ؟ لا بد من طرح العديد من التساؤلات، لأن التحري هو عملية تجرى على أناس, أناس آخرون, نتساءل عن هؤلاء الناس, من هم هؤلاء الناس؟ ونتساءل عن الطريقة التي نحدد بها تعاملي معهم؟ مَنْ هم هؤلاء الناس؟ الذين سنخصهم بالتحري؟ ما هو مستواهم المعرفي؟ ما هو مستواهم المعيشي؟ ما هو مستواهم الاجتماعي؟ ما هو سنهم؟ ما هي ميولاتهم؟ ما هي ديانتهم؟ ما هي إيديولوجياتهم؟ كي نحدد الكيفية التي يجب علي أن يسوغ أسئلته والمستوى الذي يجب أن يتعامل به معهم.
في بداية السبعينات خطر ببالي القيام ببحث علمي اجتماعي عن ظاهرة اجتماعية انتشرت بالجزائر في تلك الحقبة, ولا داعي للدخول في التفاصيل, لكنني وبعد العديد من التحريات وجهت إلى أستاذ متخصص في هذا النوع من الدراسات لكي يشرف على مشروع هذه الدراسة، وبعد أن أرسلت له الإشكالية في بضع صفحات، رد علي قائلا أن الموضوع مهم للغاية وهو على أتم الاستعداد للإشراف علي هذه الدراسة، لكن قال لي أن هذه الموافقة مرهونة بموافقتي على أمر في غاية الأهمية وهو: أن أعيش بين هذه الفصيلة من المجتمع متقمصا ومتنكرا بينهم . فتخليت عن المشروع لأنني وجدت نفسي غير قادر على القيام بهذا التقمص.
لكن الملفت للانتباه، هو ضرورة معرفة على من؟ , أتعرف وأطلع على تجاربهم, طرق معيشتهم,تنظيماتهم, لباسهم, أكلهم, طرق خطاباتهم, لهجتهم,لا بد من التعرف عليهم من الداخل ومن الخارج، ثم ننتقل إلى السؤال الموالي وهو:لـــــمــــن؟
لمن ؟ لا يمكن للباحث أن يشرع في التحري قبل أن يدرك لمن البحث؟ إن هذا السؤال، قد لا يطرح في بعض الأحيان, إن كان المعني بالأمر هو الباحث, وهو المعني الأول والأخير, فإن أهمية طرح هذا التساؤل تقل, وإن لم يكن كذلك, فلا بد من معرفة الجهة المعنية بالبحث , والجهة المستفيدة منه, سواء كانت مؤسسة جامعية, أو هيئة علمية, أو مكتب دراسات, أو مؤسسة خدماتية، أو هيئة حكومية, أو مكتب دراسات وطني أم أجنبي؟
ويدخل تحت هذا الباب عدة أشياء أذكر منها على سبيل المثال : سرية المهنة, أو الشكل المطلوب أن يتحقق به التحري, الآجال التي هي مفروضة أو قد تفرض ومتى تفرض؟ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار العواقب التي قد تكون وخيمة عن نتائج هذا التحقيق, التي قد تشكل مصاعب بين ال "على من" و "لمن", كما أن المتاعب التي قد يسفر عنها التحري وتكون مسببة للباحث، أو للمجتمع أو للوطن بأكمله.
مع من؟ نادرا ما يقوم الباحث بهذا التحري بمفرده منعزلا تماما , ولا بد من معرفة الشريك إن وجد, من هو هذا الشريك؟ ما هو دوره؟ هل أنت السيد ؟ أم أنت المسود؟ ما هو دورك لأن العملية جد حساسة وكثيرا ما لا يتفهمها الباحث إلا بعد فوات الأوان.
قد يحدث وأن يتبرأ الكاتب أقول الباحث من تلقاء نفسه إن وجد أن النتائج ستكون عواقبها وخيمة,أو قد لا يعترف بما قمت به بتاتا وان الفضل لن ينال منه الباحث شيئا مطلقا, وأن الشريك الذي لم يقم بشيء عمليا هو الذي سيجني الثمار وانه هو الذي سينال الجائزة إن كانت هناك جائزة.
وبالتالي فإن الخلاصة التي تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار هي أنه: لا بد من تحديد هذه الأمور مسبقا وقبل الانطلاق في التحري أي لا بد من أن يتم ابرام عقد بيِّن وواضح بين الباحث من جهة وبين من معه إن وجد طبعا.
2 .. عتادية التحري
أثناء تأدية مهامي كمشرف على العديد من الطلبة طيلة ما يقارب الأربعين سنة من التدريس بالتعليم العالي, رأيت العديد من البحوث التي تأجلت لشهور أو لسنة أو لأكثر من ذلك، بسبب عدم الأخذ بعين الاعتبار الجانب العتادي للتحري, أي لمرحلة تجميع المعطيات وخاصة منها الميدانية.
يحتاج أي تحري إلى تدبير وبرمجة, وتنظيم محكم, ومن هنا فلا بد من مراعاة النقاط التالية:
ا ـ الوقت ـ ما هو الأنسب؟ قد يكون الوقت الفلاني هو الأنسب بالنسبة لك , و لكن بالنسبة للذين تحتاجهم لإعطائك ما تريد ليس مِؤكدا أن يكون كذلك. وهناك أيضا مسألة المدة التي قد توقعت أنها قصيرة, وفي الحقيقة هي أطول من ذلك, وقد توقعت أنها طويلة , وفي حقيقة الأمر هي ليست كذلك, لعل الفترة التي برمجتها هي فترة عطل بالنسبة للمعنيين, أو قد تكون فترة مراجعات حسابية سنوية بالنسبة للمؤسسة المعنية بالتحقيق إن كانت مؤسسة.
لعلك خصصت فترة فراغك للقيام بهذه العملية التحقيقية, ووقت فراغك هذا هو وقت فراغ المعنيين بالتحقيق وهم في حاجة إلى استراحة, ومن ثم فعلى الرغم من أنهم سيوافقون على اللقاء معك لكنهم لن يتحمسوا كثيرا للعملية وسوف لن تكون النتائج كما كنت تتوقعها.
ب ـ الفضاء ـ إن الفضاء أو المسافة المعنية بالتحرك لإجراء هذه التحريات , ليست دائما مقدمة على طبق من فضة كما يقال ولو أنك تجد من يتحمل تكاليف التنقل , هل أخذت بعين الاعتبار كل العوائق التي قد تنجم أثناء تنقلك من ازدحام في الطرقات وخاصة في المدن الكبيرة التي لا يستطيع المتنقل بداخلها أن يضبط مواعيده بالتحديد, وإن كنت قد حددت موعدا مع أحد إطارات مؤسسة ما ولم تأخذ بعين الاعتبار مسبقا المسافة بين تواجدك وتواجده , وقد تكون توقعت انك ستصل إلى الموعد في الوقت المحدد, ولكن جرت الرياح بما لا تشته السفن ووصلت متأخرا ووجدت مخبرك قد شرع في اجتماع وبعد الاجتماع سيسافر ولم يعد في أي وقت يناسبك وإن اعتبرنا أنه سيناسبك فهو لا يناسبه.
ج ـ الإمكانيات ـ تحسب الإمكانيات بالكم, ولقد سبق وأن أكدنا على ذلك في أكثر من مرة, لم نتعلم كيف ننقض الحاسوب عندما (يتفيرس) أو لم نأخذ بعين الاعتبار التكلفة الحقيقية لعملية تجميع المعطيات خاصة الميدانية منها, وإن كان لا بد من اعتبارات نفسانية (قدرة التحمل, الصبر على ردود الفعل الغير متوقعة نرفزة المخبرين), لا بد من مراعاة قدرات أخرى وقد تكون جسمانية , لماذا تتوقع أن الناس سيساعدون وسيضحون من أوقاتهم من أجلك، كي تنال شهادة أو درجة علمية مختلفة, لماذا سيرضون بإعطائك المعلومة التي يمتلكونها وهم يعتزون أشد الاعتزاز بامتلاكهم لهذه المعلومة.
ما هي الوسائل التي ستسخرها لكي تضبط طبعك على طباعهم، أقول طباع؟ لأن لكل مخبر طبعه الخاص, تضبط مصلحتك مع مصلحتهم, وسوف لن تجدهم على استعداد لاستقبالك، اللهم إن كنت أعددت العدة لمقابلتهم.
3.. إستراتجية التحري
من جديد نعاود التعامل مع أسئلتنا التي سبق وأن طرحناها: "عـــلى" والسؤال " مع " , لكن الأمر هنا يعتبر من الناحية السلوكية، حيث أننا نؤكد مرة أخرى أن الأمر يتعلق بالسلوك المتبع لإجراء التحري بالكيفية الجيدة, فلا بد من الاحتياط , وأن يضع الباحث نفسه في موضع الذي سيجرى عليه التحري , والذي قد تجاوره لمدة قد تزيد وقد تنقص لكنها تبقى مدة معتبرة وقد تزيد على الساعتين لأقل تقدير, ألا تعتقد أن ذلك قد يؤخذ من جانب التهكم أو الفضول أو الاستهزاء.
كما ولا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الجانب ما بعد التحري, أي أن تتساءل مع نفسك هل تستطيع أن تكون أمينا؟ وهل تستطيع أن تحافظ على الأسرار التي تكشفت عنها و وتعهدت بأنها لن تباح مهما كلفك.
هل بإمكانك أن تنشر هذه الحقائق كما تعهدت بذلك, ولو تعرضك للمخاطر من قبل جهة من الجهات سواء كانت حكومية أو غيرها.
وهل تعتقد أن إعلان هذه النتائج وهذه الحقائق عندما تعلن وتنشر سوف لن تغلق الأبواب في وجه الطلبة المقبلين.
4.. الطابع المجتمعي للتحري
لا ننسى في أية لحظة أننا بشر, وأن الذين نجري عليهم التحري هم أيضا بشر . وبالتالي فإن الطريقة التي قوبل بها الباحث أو المتحري, والذين يكون أو يعتقد انه قوبل بها, والتي قد يحكم أنه قوبل باستقبال حسن, أو يعتقد أنه قوبل باستقبال غير حسن. إن هذا المعتقد أو هذا الحكم هو بالضرورة يجعل الباحث يرد الفعل, وإن رد الفعل هذا يكون مبنيا على اعتقاد, وإن هذا الاعتقاد قد يكون صائبا وهنا فالعملية تنتهي بسلام, وأما إن كان اعتقاده غير صحيح فإن النتائج سوف تكون لا محالة وخيمة.
ومن هنا فلا بد من أن نأخذ هذه المواقف في الحسبان. وعلى الرغم من اعتماد القواعد العلمية للتحريات , لكن يكفي أن نعلم أن معتقداتنا وانطباعاتنا لها تأثير كبير , لكن ذاتك المادية والذهنية, وماضيك العائلي, واقعك المعاش, وحاضرك, (أكلت طيبا, أو لبست جميلا,او قضيت ليلة هنيئة) كل هذه المواقف أو الحالات سوف تؤثر التأثر البالغ والذي قد يكون له نتائج حسنة وقد يكون العكس والنتائج تكون سيئة.
وقد يبادر المخبر بإبداء بعض المواقف, وقد يتظاهر بانطباعات قد يبدوا فيها منبسطا، أو قد يتبادر فيها غير منبسط ، وقد تكون تلك مصطنعة وغير تلقائية, لأنهم يكونون تحت تأثير الملاحظة و لأنهم يشعرون انهم تحت المراقبة.
إنك انت الذي يقرر , إن كان موقفك وحقيقتك مهما تتوقع أنها موضوعية , أنت راض بها كل الرضا , لآن الأمر ليس أمرا منهجيا بقدر ما هو معاملاتي.
IV تجميع المعطيات المستحدثة
كأننا في هذا الفضل نحاول أن نجمع بين الطريقتين السالفتين أو الوزنين السابقين؛ المعطيات القائمة والميدانية, ولنفرض أن مشروع بحثنا هو ( المعاملات التجارية الجزائرية في البحر الأبيض المتوسط في القرن الثاني عشر 12 ). فلا بد من أن يستعين الباحث هنا بالمنهج التاريخي , وإن هذا المنهاج يعتمد بلا شك على العديد من الوثائق التاريخية كما أنه يحاول معرفة ظروف تلك الحقبة في الميدان. وبالتالي فلا بد من استغلال المعطيات التي لم تستكشف بعد. والتي لا تزال بكرا، وإن عملية الاستكشاف هذه تستحق منا أن نعالج العديد من النقاط، ومن أجل ذلك كله سنحاول البدء بالنقطة الأولى وهي التروي للمستحدث, ثم نتطرق بعدها إلى الاستحداث ودرجاته، لأنه ليس كل جديد نعتبره مستحدث، ومن ثم نصل إلى النقطة التي نعالج فيها, المستحدث الذي يطلب من الباحث أن يتجنبه ويبتعد عنه مهما بلغ من درجة جِدَّته وحداثته, ثم نختم بالنبش على المستحدث.
ولا أود هنا أن أمدد الفصل في مناقشة صعوبة تطبيق المنهاج التاريخي, أو التشديد على صعوبة اختيار أحسن طريقة رياضية أو إحصائية لتحليل النتائج المحصل عليها، لكنني سأتوقف عند ذكر بعض القواعد المنهجية،
1 .. التروي للاستحداث
نقصد من هذه النقطة أن على الطالب الباحث أن يكون حذرا من محاولة اعتبار أو اعتقاد أن كل شيء يقدمه معتقدا وأنه لم يسبقه أحد إليه, وفي الحقيقة فإن المادة التي يقدمها هي ليست جديدة بالمطلق.
ا ـ قُدمت لي مرة مذكرة لأحد الطلبة , ومن سوء حظه أنني كنت أعرفه كطالب عندي، وقد كنت أعرف عنه أن مستواه لم يكن ذلك المستوى المرضي, وأول شيء لفت انتباهي أن النسخة التي قدمت لي لم تكن سوى نسخة مصورة، وانه في تلك الحقبة لم تكن آلات التصوير بالدرجة المتقدمة التي هي عليها الآن. فانتظرت لغاية يوم المناقشة, وعندما تصفحت النسخ التي بحوزة الأساتذة الذين كانوا أعضاء في لجنة المناقشة, اكتشفت أنها مصورة أيضا بنفس الطريقة ونسخة الطالب هي أيضا كانت كذلك, عندئذ سألت الطالب عن النسخة الأصلية , فأجاب بأنها بالبيت , ووقتها كان الطالب يقيم بالإقامة بالمعهد, فأمرته بأن يحظرها فورا لكنه أجاب بأنها في ( البلاد) فألغيت المناقشة إلى أن يحظر النسخة الأصلية , والتي كنت أعلم يقينا أنها لا وجود لها. وذهب الطالب ولم يعد أبدا .
إن الطالب قام بسرقة عمل غيره فلم يفعل سوى أنه صور النسخة الأصلية ووضع اسمه وقدمه على أساس أنه عمل مستحدث وفي الحقيقة هو عمل مسروق, وفي أدبيات , أو بلغة الجامعة نسميه : "احتيال"
ب ـ يوجد نوع آخر شبيه بالمثال الذي أتينا به في ـ ا ـ وهو شبيه "بالساندويتش" وبما أن أهم ما في الساندويتش هو اللحم الذي بداخل الخبز. وباختصار فإن الباحث الذي يقدم نصوصا لغيره مستقاة من مراجع عديدة ويتعمد عدم ذكر المراجع. وبما أن أهم ما في الساندويتش وأطعم قطعة هي ما بداخله وإن كان الذي بداخله هو ليس من عمل الباحث. ولعله عندما يحاول أن يغير , أو أن يستعمل بعض التعابير حتى يوهم أن العمل من صنعه هو فإن هذا النوع يدعى غشا. ولو أنه أقل خطورة من الأول لكنه عمل مذموم إلى أقصى درجة.
ج ـ هذا الأسلوب الثالث، أو هذا النوع الذي نقدمه بعد أن رأينا الاحتيال والغش، يدعى هذا النوع: الطريقة التجميعية و هي أن الطالب عوض أن يقدم عملا جديدا مستحدثا، يلجأ الطالب إلى تقديم أعمال غيره, وان عمله كله نجده مكونا من نصوص مقتبسة طبعا من غيره، ولا وجود لشيء قام به هو. إن هذا العمل الذي يعتقده جديدا ( الجديد ) ما هو إلا قديم.
ففي هذا النوع يقوم الطالب بعملية تلفيقية و ترتكز هذه العملية التلفيقية, على إعادة صياغة النصوص بلغته هو حتى يلهم القارئ أن مستواها من مستوى الطالب المبتدئ، فهو يعيد الصياغة بلغة ركيكة, فهو يعيد مضغها من جديد ويقدمها على أنها شيء جديد، وهو في الحقيقة لم يفعل شيئا سوى أنه قام بعملية تلفيقية .
ولا يمكن أن تحسب هذه الطريقة، أو هذه العملية على أنها عملية علمية ينال عليها صاحبها التقدير, أو أي شيء يستحق أن يكون له قيمة علمية. وإن كل هذه الأعمال الشنيعة , سواء الانتحال, أو الغش, أو التلفيق, تعتبر كلها من الحماقات أو من البلاهات التي لا تغتفر.
2 .. درجات الاستحداث
قد يعتقد الباحث المبتدئ أن الاستحداث هو أن على الطالب الباحث أن يأتي بشيء من العدم, وإن لم يفعل ذلك فلن يكون عمله مستحدثا. سنقدم للطالب المبتدئ أقول المبتدئ، بعض المواضيع التي تبدوا له غير جديدة و وتبدوا وكأنها لا تليق أن تؤخذ على أساس أنها مستحدثة ولكنها في الحقيقة هي مستحدثة , ومثلما فعلنا مع تلك التي يعتقدها مستحدثة وهي ليست كذلك , فها هي مجموعة من المواضيع التي تدخل في إطار البحوث المستحدثة .
ا .. يمكن أن يقدم الباحث دراسة وافية لنصوص منشورة لكنه يقوم بتحليلها وبمناقشتها ويقدمها على أساس أنها جديدة وهي كذلك.
ب .. قد يقوم الباحث بمعالجة ملف سبق وأن نشر منذ زمن لكن هذا الملف أهمل إلى درجة كبيرة,فيقوم بتجديده وإعادة بعثه للوجود ويكون عملا علميا مستحدثا لأن هذا التجديد لم يسبقه إليه أحد.
ج .. إذا اختار الباحث وثيقة نادرة وهو الوحيد الذي تمكن من الوصول إليها وإن لم يقم بذلك فإنها تكون معدومة , فهو يجددها ويعالجها بطريقة منهجية جديدة ويقدمها على أساس أنها عمل علمي مستحدث وهي كذلك.
د .. إن اختار الطالب وثيقة لم يسبق وأن نشرت لكنها موثقة في الأرشيف, ويقوم هو بإعادة بعثها من جديد , كأن ينجز لها فهرس ,ويقسمها إلى فصول وإلى أبواب كي يتمكن القارئ من الاستفادة منها , فإن كان هو الأول الذي يقوم بهذا العمل فإنه عمل علمي ممتاز.
ي .. قد يختار الباحث نصا، سبق له وأن نُــشر, لكن لطـــــول الزمـــن تشوه النــــص ( كالمخطوطات مثلا) وهذا التشوه أحال دون الاستفادة منه, فيقوم بتجديده وتنقيحه, وتكملته حتى يصبح صالحا مكتملا ويقدمه على أساس أنه عمل علمي بدون شك.
ه .. إذا اختار الباحث موضوعا مكتوبا بلغة قديمة جدا, وأن هذه اللغة اندثرت , فيقوم الباحث بمعالجة هذا ومحاولة شرح معان هذه اللغة لكي يستفيد الجميع من ذلك العمل فيقوم الباحث بعملية الترجمة والتحقيق والتنقيح ويدمج الوثيقة في عمل علمي مستحدث.
3 .. المستحدث الذي نتجنبه
هناك العديد من المواضيع المستحدثة التي تكون في متناول الباحثين والتي هي فعلا تمتاز بالجدة ولكن يجب على الباحث أن يتفاداها.
بما أن الموضوعية هي أحد القواعد المنهجية الأساسية التي يجب على الباحث أن يعتمدها, وبالتالي فإن هنالك المواضيع التي ربما يستحيل على الباحث أن يكون موضوعيا ومن بينها المواضيع التي يكون للباحث علاقة عائلية, أو علاقة قرابة , أو علاقة تاريخية كالجهاد مثلا, فلو فرضنا أن للباحث تاريخ جهادي, وشارك في بعض العمليات الجهادية القتالية, فلا يستطيع ولو أجتهد وحاول أن يكون موضوعيا فإن ذلك من الصعب, لو طُلِب منه أن يقوم بدراسة علمية حول إحدى المعارك شارك فيها من بين الذين كبدوا العدو خسائر معتبرة، فهو لا شك أن يضع نفسه في موضع البطل ولو لم يكن كذلك إلى غير ذلك من الاعتبارات العاطفية الإنسانية.
فمن جانب الاطلاع الكبير على مجريات الأحداث والوقائع فإنه شيء جميل للغاية, ومن ناحية أخرى, فإنه يعرف الحقيقة أكثر من غيره, وهذا الأمر لا يحتاج إلى نقاش. لكنه لا يستطيع أن يكون موضوعيا بالمعنى العلمي للكلمة، لأن عملية الابتعاد التي هي من الشروط التي لا بد أن تلازم الباحث هي عملية غير ممكنة.
4 .. النبش على المستحدث
إن لهذه العملية البحثية قواعد لا بد من احترامها ومراعاتها كل المراعاة، لما لها من جوانب قد لا تكون طيبة بالنسبة للباحث من جهة وبالنسبة للمبحوث خاصة.
مثلما هنالك القواعد التي يعتمدها الباحث الأثري، وهو يقوم بالحفريات تحت الحجارة أو تحت الرمال أو تحت الأدغال الوعرة, من أجل أن يعثر على بعض الخبايا المردومة تحت الأنقاض , فعليه أن يعتمد على قواعد جد صارمة، كي لا يؤثر على ما قد يكون كنزا ثمينا بالنسبة للبشرية جمعاء. ويحتاط أيضا، كي لا يقع هو نفسه، تحت الردم ويكون ضحية.
إن ضربة ولو صغيرة أو نقرة في غير مكانها ومن غير قصد ينتح عنها تحطيم ذلك الماعون أو تلك الجمجمة أو أي شيء آخر له قيمة تاريخية معتبرة.
وليعلم الباحث الوثائقي أيضا أن النبش الوثائقي يستحق نفس الأهمية ونفس الاحتياط ونفس الحرس,أو أكثر, لكي لا يحصل أي تشوه للنتائج التي يحصل عليها, كما يبذل كل الجهد كي لا تتحرف النتائج بفعل قلة الخبرة, أو بفعل عدم الاكتراث لصغائر الأمور من وجهة نظر الباحث المبتدئ, وعلى الباحث أن يحاول ويجتهد, لكي يترجم الحقائق كما هي , ويقدمها كما وجدها ولو لم تعجبه, ولو لم ترضه، ولو كانت بغير ما كان يتوقع. ولا يترجمها كما يريدها هو وعليه أن يحاول بقدر الإمكان أن يكون موضوعيا بما فيه الكفاية كي يستطيع القول أنه نبش على مستحدث, وليس القيام بقراءة مستحدثة.