Site web du Docteur Farouk SAIM
  عبد الصمد زايد
 
تطور مفهوم الزمن و دلالته(1)  
     من المفاهيم الجوهرية في العصر الحديث مفهوم الزمن. و لعله أهمها و أدقها لكونه جزءا لا يتجزأ من كل الموجودات و قوة تفعل فيها باستمرار. لذلك اخترنا لكم هذه الدراسة لأحد الباحثين العرب حيث قدم هذه الدراسة من زاوية نضر جديدة فسعى إلي رسم قضية تعامل العرب مع شتى أنواع الزمن كالتاريخ و الزمن الرياضي و الزمن الذاتي و الزمن الاجتماعي والزمن الديني والزمن الأسطوري و الزمن النفسي الخ.و اعتمد المؤلف في بحثه على مراجع جد مهمة و على علماء و مفكرين ومن بينهم توفيق الحكيم – ونجيب محفوظ
BERTHE (Roland), BERGSON, CLAVEZ(Jean-Yves), VIRILES(Paul), GOLDMEN, LUCAS (Georges) EL-AROUI (abdallâh), BERQUE (jacques
(      
وعن مرحلة الاستعمار و التي يعتبرها منطلقا أو مرحلة بداية الوعي فيقول:                                            
     تتفق هذه المرحلة مع بداية الاستعمار و تمتاز بتقدم عالم جديد ينفصل عن العالم السابق له، ويختلف عنه بِكونه لم يعد يقترح نموذجا سياسيا اجتماعيا واحدا، و لا طريقة تفكير و تصور واحدة. إنما الحاضرُ الآن حاضران: حاضرٌ يمتد فيه الوجود الاستعماري. و تقوم على بنائه و توطيده جملة الانجازات التي عمدت الإدارة الأجنبية إلى تركيزها في أهم القطاعات كالسياسة و الاقتصاد و الصناعة و التربية و الإعلام و الثقافة، و هذه الانجازات لا تقتصر غابتها على ضمان السيطرة الكاملة على الواقع المادي، بل تطلب أيضا صبَّ الشخصية الوطنية فيما بريدها عليه الاستعمار، من صيغة تسهل عليه عملية الاستغلال، و تقضي على دواعي المقاومة و أسباب الرفض و هو يدرك أن الغَلَبَة المادية لا تدوم إن لم يعَضِّدُها انمحاء الشخصية الوطنية و ذوبانها فيه، حتى لا تتمثل نفسها إلا بفضله و من خلاله . لذلك سخر حضوره السياسي و الاقتصادي لطمس كل خصائص المستعمَر الفكرية و الدينية و العاطفية و الثقافية، فهي مستندات الوعي و مكامن الاختلاف و التميُّز. و متى تعطَّلت بطُلت إمكانية المقاومة أو انْحَدَّت على الأقل.                     
(....) و معنى ذلك أن الحاضر الأصلي قد أوشك على فقدان كل مراجعه المادية. فانقطع دوره كمترجم لعملية التفاعل بين الذات و الواقع التي يتم بمقتضاها شعور الإنسان بكون الحاضر الواقع يمثله و بتطابق معه.و لم يبق من طرفي هذه العملية إلا الطرف الأول أي الذات و العالم المترامي أمامها ليس ما شاءت و ما صنعت. وهي إلى ذلك ليس لها من مقوّماتها الفكرية و الوجدانية و الأخلاقية مراجع تَقْوَى على أن تُترجم لها هذا العالم إلى شعور بحياة فعلية، وهكذا ما زالت بها التجربة الاستعمارية تُشَوِّش عليها الحاضر حتى قضت عليها بالانغلاق و الإحساس بالانقطاع عن الوجود.                                                                                 
       هكذا كانت بداية الوعي نتيجة لتأزم ظاهرة الزمن .و إن هذا الوعي لَيَحْتَاج الآن إلى الدعم و التأكد(...)و ما الاستعمار إلا حادث عابر و لحظة سوداء لن تلبث الأمة أن تتجاوزها على هذا النحو تصالحت الذات مع نفسها و استعادت شعورها بالتواصل. وهي و لئن غنمت من ذلك حقها في التميز والاختلاف اعتقدت إنها متمادية الوجود.فإنها لم تقض على المشكلة. فالوسيط الجديد لن يُقَرِّبها من الحاضر.فما هو إلا حائل آخر يُنَمِّي المسافة بين الذات و الكون.ويزيد في آفة أللاتزان من بينهما.و كونك كنت نافذا وفاعلا في التاريخ بالأمس لا يعني بالضرورة انك قادر على الفعل اليوم.ثم انه ليخشى من إسناد مثل هذه الوظيفة إلى الماضي أن ترى في الماضي غير ما فيه(...)
 و لا بد قبل توظيف الماضي هذا التوظيف من تحديده زمنيا و يوجد تحديدين اثنين أولهما يتخذ من الفتح الإسلامي منطلقا،والنزعة الثانية تتخذ ما قبله أي ما قبل الفتوحات،على أساس نزعة جغرافية، وهي تتفق إلى حد كبير مع الحركات الوطنية أو الحركات التحررية) أما النزعة العربية الإسلامية فيفسرها التيار الوحدوي و إن كان العرب هم الذين وظفوا الماضي لضمان ظاهرة التواصل، (أما بخصوص النزعة الثانية) فإن الاستعمار، هذه المرة، هو الذي اختار له هذه الوظيفة (الرقعة الوطنية) . فعزز منه ما يتصل بالوطن، هذه الرقعة الأرضية الضيقة التي ينتمي إليها هذا الشعب أو ذاك حتى يضع حدا للتطلعات الوحدوية العربية الإسلامية.(..) إن الاستعمار لَيُعِدُّ للعَرب من الآن مستقبلا يضمن مصالحه، و يمنع العرب من الانقلاب إلى قوة موحدة. و حسبنا من ذلك دليلا على قيمة الماضي كسلاح سياسي لا يُؤْتَمن جانبه، لأن قابليته لكل القراءات تفتح فيه مداخل للّبس و الوهم و الأسطورة و الدسّ و المؤامرة, و تعطّل نمو الوعي النّافد لدى الآخذين به، و خاصة إذا لم يكن لهم من الأزمنة غيره.
     و قد أدرك العرب أنّ الماضي لا يحلُّ إلاّ جزءا صغيرا من قضيتهم. و فهموا أن لا سبيل إلى النّفس و إلى المستقبل و إلى الحاضر إلاَّ الحاضر ذاته. فأقبلوا عليه يشرِّحونه عساهم يهتدون إلى أسباب اعتلاله، فيظهر وجه الدّواء فيه. و لا يصيب الفحص إلاّ من تعلّم فنَّ الفحص، و حذق صناعتَه و استوفى أدواته. و هُم قومٌ لا زادَ لهمُ إلاّ تفكيرٌ دينيُّ النّزعة. و لا خبرة عندهم بِشُؤُون الاقتصاد و السّياسة و الاجتماع. فكان أن رأوا في انحلال الوازع الدّيني و تصدّع الأخلاق الإسلامية و انعدام العلوم و الصناعات كلّ المرض، فاقترحوا الحل: فإذا هو مُنْبَنٍ على عنصرين: تدعيم الشخصية الشرقية بتأكيد محتواها العربي الإسلامي. و التمكن من أسباب القوة المادية الغربية: و أهمها العلوم و الصناعة (...).
   والخطة ترى أنها تضمن  بذلك تواصل الذات العربية بالنسبة إلى ما سبق وامتدادَها في المستقبل بفضل ما اقتبسته من قدرات الغرب المادية. ومن الواضح أنَّ هذه الخطة تتلخص في الجمع بين الروح  الشرقية والعقل الغربي. أي أنها تفرض على العرب أن يعيشوا منطقين: منطقا للفعل والحركة ومنطقا للفكر
.وهم يُسَخِّرون الأول لتغيير أنفسهم، والثاني لفهمها. ذلك أنهم يعتمدون العقل في علاقتهم مع الطبيعة . ويستندون إلى الرُّوح الشرقية في علاقتهم بأنفسهم. و مثل هذه الثُّـنائية تصدّع وحدة الإنسان الزمنية، إذ تُقْرن الذات بزمن غير الزمن الذي يقع فيه الكون، و تفترض خطأ أن لا تزامُن الذّاتِ و الكونِ، لا يحول دون ممارسة التاريخ فعليا، و إن المادي لا اثر له على الذاتي، كما لا أثر للذاتي عليه. و من الضروري الإلحاح على هذا البرنامج المزدوج. فهو يحمل البذور الأولى لمشاكل المستقبل. من ذلك أن اختيار العرب للغرب كنموذج، أَبْطَلَ الاختيارات الأخرى الممكنة. و حتَّم أن لا سبيل إلى تصوُّر التطوُّرات المرتقبة للمصير العربي إلَّا من خلال النموذج الوسيط و تطوراته(...) ومثلُ العرب في هذا السلوك كمثلِ من يضعُ النتيجة أولاً. ثم يحاول أن يوجِد لها أسبابَها. و قد اعتبر العرب أن هذا المستقبل المشروط ليس حتمية فعلية، بدليل أنهم أدرجوا في البرنامج المفتوح وجوب الحفاظ على الشخصية و شدِّها إلى مواردها و مُغَذِّياتِها الأصلية . فلا خوف عليها إذا من أن تنقلب إلى غير ما يشاءون من الهيئات والمضامين. ولهذا كان لمبدأ الأصالة ما نعرف من جليل القيمة. ولا مكان لذات ساكنة   ثابتةِ الملامح والمحتوى إلاّ خارج التاريخ.
          مجرد وجود هذا الصراع بين الماضي و الحاضر يكشف عما بينهما من تنافر و بقيم الدليل على حدة تباينهما و يشهد بان تواليهما كقسمين من أقسام الزمن لا يخضع لمنطق التوالي الطبيعي.ذلك إن الحاضر العربي ليس نتاجا طبيعيا للماضي.إنما هو زمن مستورد جلبه الاستعمار معه و أقحمه إقحاما في حركة تطور الزمن الأصلية أو هو زمن قد أحله النظام الوطني على خلاف ما كانت تتوقعه حركات التحرر.وقد يكون كذلك زمنا أدت إليه ثورة لا تعي نفسها كل الوعي.و هو زيادة على كل ما تقدم ليس خالص العنصر الأصلي ليشوبه بشتى أنواع الشوائب و يثقله بشتى وجوه اللبس و الغموض و التناقض.
و قد لا تظهر حقيقة هذا الصراع و مدلولاته البنيوية الزمنية إلا إذا ما قارناه بالصراع المشكل لبنية الرواية العربية و أول ما يلاحظ في الرواية الغربية انثناؤها على مبدأ المقابلة بين الحاضر و المستقبل و دعوتها   إلى رفض الماضي باسم مستقبل أحسن و أفضل يحركها إليه إيمان بالتطور.و التطور من أهم المبادئ التي يقوم عليها التصور الغربي للزمن. و هو يقضي مبدأ التجاوز ويُحتِّمه .و الصراع بالتالي ليس غير ترجمة لهذا المعنى. و فيه يتخذ الحاضر مقامه كمنطلق طبيعي للحياة و مرتكز. و فيه يجد المستقبل معناه كغابة طبيعية  و المقابلة الجامعة بينهما إنما ترمي في المقام الأول، إلى حسن الإعداد للمستقبل باستغلال الحاضر استغلالا جيدا.و هذا الضرب من الصراع ممكن لان الحاضر الغربي هو الحلقة المنطقية الأخيرة من سلسلة أحداث التاريخ العربي و هو لذلك زمن طبيعي .و من وظائفه المنطقية أن يُعِدَّ أهلَه للمستقبل ويحملهم على استصلاح الواقع بغية تجاوزه إلى الأفضل و الأرقى.
       أما الصراع في الرواية العربية فقد أظهرت هذه الدراسة انحباسه في المقابلة بين الماضي و الحاضر لذلك انحصرت كل مشكليه الزمن تقريبا في معضلة الحاضر. و سبب ذلك كون هذا الحاضر. كما بينا منذ قليل. ليس زمنا طبيعيا منطقيا (...)و من الطبيعي أن يمنح انشداد الجهد إلى قضية الحاضر من التفكير الجدي في المستقبل و لا يبارز المستقبل الا من فَرغَ من براز الحاضر .و هكذا تكون بنية الرواية نفسها قد أفصحت عن تخلف العرب في التعامل مع الزمن.اذ تفصلهم عن التعامل الطبيعي معه مرحلةٌ كاملةٌ. وتَسِم سلوكهم إزاءه سمات الارتباط والبطء وكأن المستقبل لا يعنيهم.
     وقد لا تظهر فداحة التخلُّف العربي إن اكتفينا بالنظر إليه في حد ذاته . والأحسن أن نحكم في مداه بالمقايسة مع الوضع العالمي. وأول ما تبرزه هذه المقارنة تجمد الزمن ووقوعه محنطا ميتًا عند العرب في ظرف أصبحت فيه السرعة هي السمة الغالبة على الزمن. والمالك للسرعة القادر على دفعها إلى التزايد هو المالك اليوم للتاريخ والفارض له على الآخرين " إن الهام اليوم ليس أن تملك الأرض بل أن تملك الزمن" لأن السرعة جعلت من انقباض المسافات وتكمشها واقعا استراتيجيا جديدا ستكون له نتائج اقتصادية وسياسية لا تحصى. لأن هذا الانقباض يعني نفيا للمكان '...) وهذه القيمة الإستراتيجية للسرعة باعتباره ضربا من اللاَّمكان هي التي عوضت مفهوم المكان ". فالأفضل أن لا يغتر العرب بكونهم ما زالوا يحتفظون بأرضهم . فقريبا لن تغني عنهم أرضهم لأن الأرض لن تغني عنهم شيئا. وقريبا ينفصل التاريخ عن المكان موطنه الطبيعي ليتخذ من الزمن ن بفضل السرعة ، موطنه الوحيد وبُعده الوحيد. وعندئذ تستحيل على العرب إمكانيات التدارك واللحاق.  
(1)     عبد الصمد زايد، مفهوم الزمن ودلالته، طرابلس (ليبيا)، الدار العربية للكتاب، 1988.
 
  Aujourd'hui sont déjà 20 visiteurs (28 hits) Ici!  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement